العدد 19 – أغسطس/آب 2023

189 |

وتســتغل الصين تراجع الحضور األميركي وتقليص التزاماته العســكرية في المنطقة بعــد أن كان لقــرن مضى الفاعل الخارجي المهيمن والضامن الوحيد ألمن الخليج، لتشرع في تعزيز عالقاتها العسكرية مع الدول وهي تشبع بذلك الرغبة الخليجية في بحثها عن حلفاء دوليين جدد خارج النطاق األميركي لضمان أمنها القومي من جهة، وحاجتهــا لتنويــع مصادر دخلها الريعي وعدم اقتصاره على النفط من ناحية أخرى. فــي المقابل، تريــد الصين ضمان تدفق إمدادات الطاقة النفطية لصناعاتها وتصريفها في سوق استهالكية ضخمة تزيد معدالت نموها االقتصادي لها. يمكن القول: إن الصين تنتهج االســتراتيجية البريطانية في القرن التاســع عشر عندما كانت في الهند وجنوب شرق آسيا في السيطرة على الموانئ البحرية التي كانت على طريق األسطول البريطاني. فالصين اليوم تتبنَّى االستراتيجية االقتصادية التي تقوم على التنمية وإنشاء البنى التحتية وتفعيل قوتها الناعمة، كما تتبنَّى سياسة حماية إنجازاتها االقتصاديــة بتفعيل وجودها العســكري في مناطق نفوذهــا لتحقيق الحماية الالزمة التي تضمن مصالحها، الســيما فيما وراء البحار. وقد أشار الكتاب األبيض الصيني إلــى دور الجيش في حماية مصالح الصيــن فيما وراء البحار باعتبارها 2019 لعــام جزءًا ال يتجزأ من مصالح البالد الحيوية واالستراتيجية. وهكذا صار الجيش مدعوًّا إلــى االنخراط في تطوير آليات تدخله األمني والعســكري وأدواته لحماية الحقوق والمصالح المشروعة للشعب الصيني في الخارج، بدءًا من جنوب شرق آسيا مرورًا بالخليج والمحيط الهندي وصوًل إلى البحر األبيض المتوسط. التأثير األمني للنفوذ الصيني في الموانئ الخليجية ال شــك أن الموانئ في المنطقة تشــكِّل حجر الزاوية في استراتيجيات الدول ذات المصالح في المنطقة، كما أن مضيق هرمز يعتبر شــريان العالم الغربي، فهو المنفذ الوحيد إليصال شــريان الحياة للعالم من خالل مرور ناقالت النفط والغاز العمالقة إلــى جميــع دول العالم. فكما أن الواليات المتحــدة تعي هذه األهمية للموانئ في المنطقة فإن الصين وإيران يعلمان تمامًا أهمية تلك الموانئ والمضائق وموقعها في السياسة األميركية والغربية، لذا أصبح الصراع واضحًا في مسألة السيطرة على تلك الموانئ والمناطق الحيوية أو تأمينها لمصلحة دول دون أخرى. وقد شــكَّل الصعود

Made with FlippingBook Online newsletter