| 70
إن هذه الدراسة محاولة لإلجابة عن سؤال رئيس: هل يمكن جعل الشعبوية، بما هي نتاج لسلسلة من التطورات التي طرأت على الديمقراطية، مدخ ًل لتفسير حالة األنظمة السياســية العربية؟ وذلك من خالل محاولة التفكير في الشعبوية وفي عناصرها عبر مدخل أولي يفســح في المجــال لفهمها ومحاولة تحديد طبيعة األنظمة السياســية العربية بأدوات علم السياســة وتجريب مســار الديمقراطية والمآل الذي وصلت إليه في الغرب، ثم اختبار مدى إسقاطها على مخبر األنظمة السياسية العربية انطالقًا من الكيفية التي تمارس بها السلطة في كنفها. وتسعى هذه الدراسة إلى اإلجابة عن السؤال الرئيس من خالل فرضيتين أساسيتين: األولى هي أن بروز الشعبوية ارتبط بشكل كبير باإلخفاقات التي أصابت الديمقراطية الليبرالية؛ إذ إنها نشأت في حضن الديمقراطية واستندت على االنتخابات للتعبير عن نفسها في حركات وأحزاب، وتطورت مما أفضى إلى اعتبار أن النزعة الشعبوية انبنت على الشــعب مصدرًا للسيادة يوظف لحظة التباري على السلطة داخل األنظمة التي تسمح بالتداول على السلطة بشكل سلمي ومنفتح وتحترم الحقوق والحريات وفصل السلط. بينما تذهب الفرضية الثانية إلى أن مسار التداول على السلطة داخل األنظمة السياســية العربية ال يتخذ إال أشــكا ًل صورية تغيب فيها سلطة الشعب في االختيار؛ ألن شرعية األنظمة السياسية العربية تستند إلى مصادر دينية وعصبية ومجموعة من المكتسبات االجتماعية والسياسية التي حققتها، وفي بعض الحاالت التي يوجد فيها التمثيل السياســي وظفت الشــعبوية من أجل إلغاء التداول على السلطة واالستحواذ عليها. أوًلً: الشعبوية: السياق والنشأة 8701 و 1860 يُنظر إلى مصطلح الشــعبوية على أنه ظهر في روســيا ما بين ســنتي جســد هذا الفعل " والذي كان يُقصد به الذهاب إلى البادية حيث يوجد الشــعب، حركة ضمت المثقفين والشباب الروس المنتمين إلى الطبقة الميسورة؛ إذ قام هدفهم باألساس على نقد عملية التحديث التي أخذت بها روسيا على الطريقة الغربية، ومن ثم أطلقوا مشروعًا لالنسجام مع الشعب، وقد بدا لهم أن التمسك بتقاليد المجتمع )فهم اعتقدوا أن 3 (. " الزراعي والتجمعات القروية منطلقًا ضروريا لبناء مجتمع جديد
Made with FlippingBook Online newsletter