تمهيد تميزت الحركات الإسلامية في المغرب بالتنوع والتعدد، إلا أن حركتين إسلاميتين تميزتا بانتشارهما الواسع داخل المجتمع، وهما: حركة «التوحيد والإصلاح»، وحركة «العدل والإحســان». ورغم اشــتراك الحركتين في نفس المرجعية، وتبنيهما المشروع الإسلامي إلا أن اختلافهما يكاد يكون جذريّا، على مستوى المنهج والفكر والممارسة. وقد تم اختيار حركة «التوحيد والإصلاح» تحديدًا لدراسة تمثلاتها حول الدولة الحديثة، لأنها عرفت مسارًا تطوريّا وتحوً نوعيّا في تمثلها للدولة؛ حيث انتقلت من معاداة «الدولة الحديثة» إلى الدفاع عنها، والاندماج في مؤسســاتها، معترفة بمكاسب هذا الكيان السياســي الحديث، وأسســه السياســية، وما كان ذلك ليتم إلا بعد القيام بالعديــد من المراجعات الفكرية، والتي صبّ معظمها في ســياق التكيف والاندماج مع كيان «الدولة الحديثة»، محاوِلة في الآن نفسه توجيه هذا الكيان وترشيده للتكيف مع مقاصد الشــريعة الإســ مية؛ الأمر الذي يبدو جليّا في أدبيات الحركة السياســية، وما دوّنته أقلام رواد هذه الحركة من أمثال: أحمد الريسوني، وسعد الدين العثماني، ومحمــد يتيم...وغيرهم، حيث يظهر لديهــم جليّا الرغبة في تخليق «الدولة الحديثة» وأسلمتها من خلال جعلها متوافقة مع مقاصد الشريعة. ومن شــأن المشاركة السياســية لحزب «العدالة والتنمية» في تسيير أول حكومة مغربية بعد ثورات ما سُمي بالربيع العربي، أن تضع فكر وتمثلات الحركة في محك التجربــة، علــى اعتبــار أن رواد الحزب قد نهلوا من فكر الحركــة، بل إن عددًا من رواد الحركة، هم من أسّسوا الحزب، وأشرفوا على تسييره، ورغم حفاظهم على نفس المرجعية، والأسس الفكرية، إلا أنهم فَصَلوا وميّزوا بين تخصصات كل مؤسسة على حدة: مؤسسة الحزب ومؤسسة الحركة. ومن شأن دراستنا لتمثلات حركة «التوحيد والإصلاح» للدولة الحديثة، أن تمكّننا مــن الوقوف على حجم التصالح مع هــذه الدولة، ومدى تطابق مراجعات الحركة مع طبيعتها، وكذا الوقوف على طبيعة الممارســة السياســية لحزب «العدالة والتنمية» الذي يتشــبع بنفس المرجعية والأســس الفكرية، ومن ثم رصد مدى الانسجام الحاصل بين الفكر المتصالح نسبيّا مع الدولة الحديثة، والممارسة السياسية داخل هذا الكيان الحديث.
21
Made with FlippingBook Online newsletter