صورة الدولة الحديثة في مخيال الحركات الإسلامية المغرب وتونس…

الخطاب الإســ مي زمنًا طوي ً، دون أن يعني ذلك الإجهاز على الرغبة في الوحدة بين الأقطار العربية الإسلامية. وبذلك، تكون هذه الحركة الإســ مية قد نحــت بفكرها نحو التحديث، ملقية بنفســها بكل أريحية في أحضان الدولة الحديثة التي تعد في رأيهم تطورًا سياســيّا لا منــاص من التوافق معــه وقبوله، كضرورة حتمية من جهــة، وكمعطى تاريخي أثبت جدارته السياسية من جهة أخرى. رافضة في الآن نفسه الانغماس في الماضي والركون له على اعتبار أن النظام السياســي وليد عصره وظروفه التاريخية، وليس نسخة نمطية تتكرر في كل الأزمنة. هــذا التوجه نحــو الدولة الحديثة، الذي نلمســه في خطاب حركــة «التوحيد والإصلاح» لا يعني عدم الاعتراف بأهمية الخلافة الراشــدة باعتبارها تجربة تاريخية «لهــا في النفــس كل الإجلال والتقدير لكــن هذا لا يجعلها تجربــة تتجاوز الزمان والمكان والملابســات التي أملتها، ما دامت الممارســة السياسية النبوية نفسها نسبية، فهي أيضًا تجربة نســبية تبرز أسلوبًا للتفاعل مع الواقع الإسلامي المتغير وليس جزءًا . ((( من الدين» موقف هذه الحركة الإسلامية لم يقف عند فكرة تجاوز حلم استرداد نظام الخلافة، بل انتقل إلى نقد هفواته السياســية؛ إذ يؤكد محمد يتيم أن الخلافة الراشــدة كشــكل من أشكال الحكم، ونموذج تطبيقي لقيم الإسلام، لم تشكّل سوى صورة من الصور الممكنة، وقد لا تكون النموذج الأمثل أو الوحيد على المستوى القانوني والدستوري وضبط آليات التداول على السلطة؛ حيث اعتمدت تلك التجربة في نجاحها بالدرجة الأولى على السمو الديني والأخلاقي للخلفاء، بينما عاشت حالة فراغ دستوري على مســتوى الآليات الضابطة لانتقال الســلطة بشكل ســلمي وهو الفراغ الذي ملأه كل خليفة بطريقته الخاصة وتعاملت معه الجماعة الإســ مية باعتباره حالة طارئة، ورغم تمام الرشد الديني والأخلاقي للخلافة والخلفاء الراشدين، فقد خلّف ذلك الفراغ ثغرة استغلها ضعاف النفوس و»السيئون» لغرس حالة من عدم الاستقرار السياسي، ونفذوا منها لزرع بذور «الفتنة الكبرى» التي اعترضت سبيل الدولة الإسلامية الناشئة. وما كان

،) 2013 (القاهرة، دار الكلمة والنشر، 2 ((( العثماني، سعد الدين، الدين والسياسة تمييز لا فصل، الطبعة . 34 ص

28

Made with FlippingBook Online newsletter