صورة الدولة الحديثة في مخيال الحركات الإسلامية المغرب وتونس…

بالفشــل، ولم تفلح في إنقاذ «دولة العصبية» من الموت المحقق وتجديد شــرعيتها، لكنهــا بالمقابل وضعت العرب على ســكة التاريــخ، وجنحت بهم نحو نموذج دولة ، وكل ما فعله الاســتعمار، أنه حال دون ((( حديث، لم يكن غير نموذج الدولة-الأمة نجاح هذا النمط من الدولة في العالم العربي. فمشروع الدولة-الأمة، حسب محمد جبرون، «في سياقنا الخاص، ومن المنظور التاريخي، ليس محاكاة بليدة واقتباسًــا مجردًا لتجربة الغرب، بل هو إنشــاء عربي- أصيل، متمخض عن ســياقنا التاريخي المختلف، وعلى الرغم من التشابه الظاهر بين الدولة-الأمة التي نطلبها وما ترسخ في الضفة الشمالية، وهو ما يعكس وحدة التوجه في التاريخ الإنساني، فإن هذا التشابه لا يلغي الخصوصية ولا ينفيها، بل على العكس من ذلك يعززها وينتصر لها. وقد كانت هذه الغاية الوجهة الأساسية للفكر السياسي الإصلاحــي حتــى نزول الاحتــ ل، حيث كان يروم تمكين العــرب من دولة حديثة متصالحة مع الذات ومتطلعة إلى الأفق الإنســاني، غير أن الغزو الاســتعماري حال . وهنا، يظهر أن التصالح ((( دون ذلك، وقطع صلة الفكر السياســي الإسلامي بالواقع» مع الذات ومراعاة الخصوصية يعد بمنزلة شرط أساسي لقيام الدولة العربية الحديثة، المختلفــة عــن الدولة الغربية -حســب محمد جبرون- مما يعبّر عن قبول شــكلي بالدولة الحديثة، ورفض الأخذ بالجوهر الغربي، بل التعامل معه بانتقائية للحفاظ على الخصوصية. وهو الشــعار الذي حمله منظّرو حركة «التوحيد والإصلاح» للتوافق مع مرجعيتهم الدينية من جهة، ومســايرة التطور السياســي الذي عرفه مجال الحكم من جهة أخرى. وإذا كان هذا التطور نحو «الدولة الحديثة» حتمية تاريخية نابعة من واقع المنطقة العربية، حسب محمد جبرون، فإن سعد الدين العثماني يناقض هذا الطرح، ويقر بأن محددات الدولة الحديثة قد نشــأت خارج التجربة التاريخية العربية، حيث تشــكّلت بفعل التطور النظري للفكر السياســي الحديث وتحت ضغط التجربة الواقعية الغربية، وأن جزءًا آخر من محددات الدولة الحديثة يعتبر إرثًا للقوى الاستعمارية التي مارست التحديث القسري المؤطّر بمصالحها الآنية والمستقبلية، لهذا أضحت محددات الدولة

. 317 المرجع السابق،ص ((( . 342 المرجع السابق،ص (((

39

Made with FlippingBook Online newsletter