صورة الدولة الحديثة في مخيال الحركات الإسلامية المغرب وتونس…

دفاع رواد حركة «التوحيد والإصلاح» عن الدولة الحديثة، وتوافقهم مع مبادئها، رغم نقدهم لبعض مظاهر تغولها وســيطرتها علــى المواطن والمجالات الحيوية، لا يعني بالضرورة الاتســاق الكلي مع هذا الكيان السياسي الحديث، ذي النشأة الغربية، والقيم الحداثية. بل ترســم أدبياتهم السياسية معالم دولة منشودة مختلفة، تنسجم مع الشكل الحديث للدولة، وتستفيد من مكتسباته السياسية، وتنهل في الآن نفسه من قيم الدين ومبادئه، دولة تمزج بين الحداثة والإسلام. -الدولة المنشودة لدى حركة "التوحيد والإصلاح" 4 لقد بدا تمثّل الدولة المنشودة لدى حركة «التوحيد والإصلاح» في أواخر القرن الماضي أشد حرصًا على التزام مبادئ الشريعة، لأن الحاكمية تكون لشرع الله، وفي ذلك تأثر بحركة الإخوان المســلمين في المشــرق، وما ورد في كتاباتهم حول مفهوم الحاكمية، والدولة الإســ مية، ولكن ما لبثت الحركة أن تنازلت عن العديد من هذه المقــولات، وقامت بعدة مراجعــات، فرضها واقع الدولة الحديثة، المراد حكمها، أو المشــاركة في إدارتها. ويتمثل هذا التصور القديم للدولة المنشودة في أنها «وإن كان لها جهاز تشــريعي فهي منفّذة لشــرع الله تعالى، والمجلس التشــريعي يجتهد لما لا نص فيه أو لإيجاد الوســائل المعينة على حســن تنفيذ أحكام الشرع. الدولة المسلمة هي التي تكون الحاكمية العليا فيها لشرع الله، والأمة فيها هي مصدر السلطات، وهي دولة هداية لا دولة جباية، ودولة شورى لا دولة استبداد، تستفيد من تجارب الآخرين في مجال الأساليب وتتميز عنهم في الأهداف والمقاصد. وهدفنا هو أن تصير دولتنا بهذه المواصفات، وفي سبيل ذلك نوجّه جزءًا من طاقتنا للعمل الذي يسهم في تحقيق . وهنا، إقرار ضمني بأنهم لن يأخذوا من الدولة الحديثة إلا الأساليب، ((( هذا الجانب» والمقصود هنا آليات الاشتغال السياسي والمؤسساتي، أما الأهداف فهي مختلفة؛ لأن الهدف هو الدولة الإسلامية، دولة الشريعة المتميزة. وبعــد المراجعــات المهمة التي قام بهام منظّرو حركة «التوحيد والإصلاح»، تم التخلي نسبيّا عن حلم «الدولة الإسلامية» ونقده كما أسلفنا الذكر، كما تم التراجع عن تأييد حكم «الخلافة الوراثية» أو ما يسمى بـ»الملك العضود» ونقد مراحل استبداده.

. 47 )،ص 1998 حركة «التوحيد والإصلاح»، ميثاق حركة التوحيد والإصلاح، (طوب بريس، السنة (((

45

Made with FlippingBook Online newsletter