إذا كانت أدبيات حركة «التوحيد والإصلاح» قد أسســت لدولة إسلامية حديثة، تمزج بين قيم الحداثة ومبادئ الإسلام، دولة تتشكل بجسد الدولة الحديثة، وتستظل بمقاصد الشريعة، فهل استطاع حزب «العدالة والتنمية» المنبثق عنها والمتشبع بفكرها أن يطبق هذه الأفكار على سطح الواقع بعد أن أتيحت له فرصة قيادة حكومة الدولة المغربية الحديثة؟ - حكم الدولة الحديثة بين الفكر والممارسة 5 لقد رســم فكر «حركة التوحيد والإصلاح» صورة نموذجية عن الدولة الحديثة المنشــودة، فهي دولة مازجة بين قيم الحداثة السياسية والقيم الإسلامية، دولة لا يهم شكلها بل جوهرها، وهي دولة تقوم على نفس مبادئ وأسس الدولة الغربية الحديثة، ولكن مبادئها موجهة، مشروطة، منتقاة وفق ما يتناسب مع مبادئ الإسلام ومقاصده. وقد بقي هذا التمثل مستقرّا في فكر هذه الحركة؛ إذ عبّر واقع التجربة السياسية لحزب «العدالة والتنمية» الذي يستقي منابعه الفكرية من حركة «التوحيد والإصلاح» عــن توافــق مع الدولة الواقعية «الحديثة» التي فرضت منطقها على الحزب، الذي قام بالعديــد من المراجعــات للتكيف مع متطلبات هذه الدولة، بعدما انتُخب لتســييرها ، وترؤســه للحكومة، لأول مرة في تاريخه. 2011 بإرادة شــعبية، إثر فوزه بانتخابات وهــي مواءمات فرضتها الدولة الحديثة التي روضت الأحزاب الإســ مية المنخرطة في المشــاركة السياسية، وجعلتها تطور مبادئها لتتعامل مع إكراهات الداخل وضغوط الخارج. فأضحينا نرى حزبًا عاديّا، شــأنه شــأن غيره من الأحزاب الوطنية، همه الحفاظ على التوازنات الداخلية والخارجية، وخدمة الصالح العام؛ فقد اختفت ملامح مرجعيته الدينية رويدًا رويدًا، ولم تطفُ على السطح إلا فيما يتعلق بالتأكيد على الهوية الإسلامية التــي يدعمها الدســتور المغربي، أو الدعوة للتخليق من خلال رفع شــعار «محاربة الفســاد»، بل حتى كلمة «إســ م» لم تتردد في أوراق الحزب إلا مرات قليلة، ليؤكد على مدنيته، وأنه حزب للجميع، يسعى للإصلاح السياسي وحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، أكثر مما يسعى للإصلاح الديني. فقد أضحت الأولوية للوطن، ولإقامة الدولة الحديثة وأسســها، لا لإقامة الشريعة وتطبيقها، وهو ما أكده محمد يتيم بقوله: «نرى أن من أولويات برنامجنا السياســي: الإصلاح السياسي والمؤسساتي، بناء دولة
49
Made with FlippingBook Online newsletter