تســتوعب الآخر، من خلال تشــكيله حكومة ائتلافية، تضم مشارب سياسية متنوعة، وأحزابًا يسارية مختلفة، دون إحداث أي تصادم أو نزاع، بل الحفاظ على روح التفاهم والوفــاق، ونبــذ روح الإقصاء. وهو توافق فرضتــه روح الدولة الحديثة، التي تفرض تغليب جانب المصالح الوطنية على الأيديولوجيا بكل أنواعها. وقد أفادت هذه التجربة السياســية للحزب -حســب رشــيد مقتدر- في إنضاج طروحاتهم وتطوير تصوراتهم حول قضايا السياســة والحكم، بالاحتكاك مع الســلطة وباقي الفاعلين السياسيين، فكان من نتائج هذا المسلسل الاستيعابي تمكين الإسلاميين من فهم منطق الدولة والسياســة، واكتساب الخبرات في تدبير السياسات العامة. لكن هذا المشــاركة السياسية في المقابل أضعفت الهوية الأيديولوجية للحزب الإسلامي؛ حيث بدأ الخطاب السياســي الديني للإســ ميين المشــاركين يفقد بعضًا من جاذبيته وقدرته على الحشــد والتعبئــة، بمجرد احتكامه لقواعد اللعبة السياســية، لأن منطق العمل السياسي والقيام بالمعارضة من داخل النظام، تختلف عن الاضطلاع بالمعارضة السياســية الاحتجاجية غير المقيدة بأي ضوابط والتزامات...فغدا تعاملهم مع السياسة واقعيّا، يســتحضر موازين القوى وطبيعة المراحل ونوعيــة التحالفات، ومعيار الربح والخســارة، وهــو ما أدى إلــى تنمية الحس البراغماتي، والنزعــة الواقعية في العمل . ((( السياسي لدى الإسلاميين فالتنظير لمشــروع الدولة الحديثة في ظل مقاصد الشــريعة، يختلف جذريّا عن الممارســة السياسية داخلها، لأن منطق الدولة يفرض التوازنات السياسية، والتوافقات الفكرية، لتحقيق أكبر قدر من المصالح والمكتسبات الوطنية. لهذا، يرتبط مآل المشروع الحركي الإسلامي -حسب رشيد مقتدر- بشكل كبير بما يستطيع الإسلاميون تحقيقه داخــل المجال العام، والتوفيق في إنجاز ما فشــل فيــه غيرهم من الأحزاب الوطنية، كتغيير طريقة اشــتغال النظام ودمقرطته، وتجنب الســقوط في الانتهازية السياســية، والالتزام بما تم الوعد به خلال الحملات الانتخابية. لأن الفشــل ســيؤدي إلى تآكل وأفول مشــروعهم السياســي، فهي في محك حقيقي لمدى نجاعة المشاريع الفكرية والسياســية للإسلاميين، ومناسبة لإبراز مدى صدقية طروحاتهم وقدرتهم على إنجاز
مقتدر، رشيد، الإسلاميون: دراسات في السياسة والفكر، الطبعة الأولى، (المركز الثقافي العربي، ((( . 64 56 )،صص- 2013 الدار البيضاء،
51
Made with FlippingBook Online newsletter