تمهيد لقد كان لافتًا للعديد من الدارسين، أن يشهد خطاب حركة النهضة تحوً كبيرًا في مساره الفكري، خاصة تجاه مقولاته السابقة عن الدولة والحكم، وخصوصًا بعد خوض تجربة الحكم، التي غيرت تمثلات الحركة عن الشريعة والدولة، ودفعت بها للاندماج داخل الدولة الحديثة التي كثيرًا ما عارضتها لصالح بناء الدولة الإســ مية المنشــودة. وما كان ذلك ليتم إلا بعد قيام «حركة النهضة» بقيادة زعيمها «راشــد الغنوشي» بعدة مراجعــات فكريــة، صبت في معظمها لصالح دعم الدولة الحديثة القائمة، خاصة بعد أن وضعت التجربة الحركة على المحك، ومنحتها فرصة اختبار تمثلاتها الفكرية حول الدولة، لتقف أمام التحديات الحقيقية التي تواجه الحزب الإسلامي، في حكم الدولة الحديثــة، الأمــر الذي يدفعنا لمقاربة تمثلات «حركة النهضة» للدولة عمومًا، والدولة الحديثة خصوصًا للوقوف على طبيعة التطور الفكري الذي شــهده مســارها، ومقاربة تأثير هذا التطور على التجربة السياسية التي خاضتها بعد ما سمي بـ»الربيع العربي». -حركة "النهضة": النشأة والتطور 1 تأسســت «حركة النهضة» على يد زعيمين كبيرين، هما: راشــد الغنوشي، الذي كان يشتغل أستاذًا للفلسفة، وعبد الفتاح مورو، الذي كان يعمل محاميًا، وقد تم هذا التأســيس رفقة عدد من المريدين، من الشــباب المتأثرين بجماعة «الدعوة والتبليغ»؛ حيث اتبعوا أسلوبها في الدعوة، ونهجها في اتباع السلف الصالح، وإحياء سنة النبي صلّى الله عليه وسلّم، مستمدين زادهم الفكري حينها من كبار الدعاة، أمثال: محمد عبده، وســيد قطب، وأبو الأعلى المودودي، وحســن البنا... لهذا، برزت الحركة في بداياتها كجماعة دعوية، واتخذت اســم «الجماعة الإســ مية». وقد ركزت الجماعة نشــاطها في بداياتها على الجانب التربوي الديني من خلال الإشــراف على الحلقات في المســاجد، وكذا الانخراط في جمعيات حفظ القرآن الكريم، أما عملها الدعوي فقد برز «كردة فعل على احتذاء النظام الحاكم بنموذج التحديث على الطريقة الغربية مع تحييده المؤسســة الدينية وتحجيمه دورها في صوغ المشــهد الثقافي والمجتمعي بالبــ د، فرأت الجماعة العمل على إعادة الاعتبار للهوية العربية الإســ مية لتونس،
55
Made with FlippingBook Online newsletter