المقدمة يكتسي موضوع الدولة وشكلها وطبيعتها والأسس التي تنبني عليها أهمية كبرى في الفكر العربي المعاصر لأن تغير معالم المنطقة العربية ارتبط بتغير شــكل الحكم ، وتثبيت نموذج جديد 1924 والدولة، خاصة بعد سقوط حكم الخلافة الإسلامية عام للدولة يتمثل في الدولة القُطرية الحديثة التي تميزت بمحاكاتها على مســتوى الشكل نموذج الدولة الغربية. أما على مستوى الجوهر، فإن القيم الحداثية لم تترسخ بالشكل المطلوب في الدولة العربية الحديثة، بل بقيت سطحية توظّف فقط كواجهة للاستهلاك الخارجي؛ الأمر الذي كرّس أزمة الدولة العربية القطرية، وشكّل أحد أسباب فشلها. ومن أهم إفرازات التحول الاجتماعي والسياسي الذي عرفته المنطقة العربية نشأة الحركات الإســ مية، التي استهدف مشروعها الأساس استرجاع حكم الشريعة الذي عصفت به علمانية الدولة الحديثة، حسب رأي مؤسسيها الأوائل، وقد انقسمت وفق تصورها لهذا المشروع إلى نوعين من الحركات الإسلامية: حركات إســ مية حالمة في أدبياتها باستنســاخ نموذج حكم الخلافة، الذي – 1 رأت فيــه نموذجًــا مثاليّا للحكم الإســ مي، المحافظ على وحدة الأمة الإســ مية، والمنســجم مع مبادئ الشــريعة، فــي حين رأت في نموذج الدولــة القُطرية الحديثة نموذجًا مفرّقًا لوحدة الأمة الإســ مية، حامً لمبادئ حداثية متعارضة مع الشــريعة، لهذا ظل عداؤها لها مستمرّا وثابتًا، لأنها رفضتها شكً وجوهرًا. حركات إســ مية حالمة ببناء نموذج الدولة الإسلامية الحديثة، التي تحاكي – 2 على مســتوى الشــكل النموذج الغربي في السيادة على رقعة جغرافية محددة، معترفة بذلك بنظام القطرية، ولكنها تستلهم على مستوى الجوهر قيم الدين الإسلامي، وتؤكد على التوافق مع مقاصد الشريعة، انسجامًا مع مرجعيتها الإسلامية، إلا أنها تحرص في الآن نفسه على التوافق مع مبادئ الحداثة، انسجامًا مع طبيعة الدولة الحديثة. وتمثــل حركة «التوحيــد والإصلاح» المغربيــة مع حزبها «العدالــة والتنمية»، وحركة «النهضة» التونسية نموذجين للنوع الثاني لأن هذه الحركات تميزت بالوسطية والاعتــدال، كما أنها قامت بعــدة مراجعات اتجهت نحو التصالح مع الدولة الحديثة
5
Made with FlippingBook Online newsletter