إقرار ضمني بأن الخلل لا يكمن فقط في سطحية وعنصرية الرؤية الغربية للإنسان، بل يكمن أيضًا في تخلف الرؤية للإسلام ذاته، حيث هناك سوء فهم، وتطرف، واستغلال للدين. إضافة إلى نقد فكرة القومية التي بُنيت عليها الدولة الحديثة الغربية، والتي جعلت تاريخها يُطبع بالدموية والعنصرية، انتقد الغنوشي النزعة المادية غير الأخلاقية التي طبعتسياسة هذا الكيان السياسي، والتي أدت إلى «تدمير الأسرة والدين والضمير والبيئة، ونشر الحروب والمجاعات والظلم، وحولت الإنسان إلى وحش والعالم إلى أدغال، في حين كان الطموح . فمادية الدولة الحديثة، وبُعد سياستها عن ((( تحويل الإنسان إلى إله، والأرض إلى جنة» الجانب الروحي، هو المرفوض هنا، لأنه قوّى غريزة الاستغلال لدى أفرادها، الأمر الذي جعل الغنوشي يصفها بالآلة الصماء، التي لا تعبأ بالقيم والأخلاق والمقدسات، فكل همها تحقيق مصالح مادية نفعية، لأنها تنفرد «بمعقوليتها الإكراهية الخاصة التي لا تعبأ كثيرًا بنوعية الأيديولوجيا أو المطالب الأخلاقية والدينية أو نوعية الأشخاص القائمين عليها، ما يهم هذه ، وفي ذلك نقد غير ((( الدولة بدرجة أولى هو تحقيق مبدأ النجاعة العملية وضمان الانضباط» مباشر لطبيعة الدولة العلمانية التي تفصل بين السياسة والأخلاق، وتستهدفتحقيق أكبر قدر من المصالح المادية والحقوق لمواطنيها. وقد امتد نقد راشد الغنوشي ليطول الفكر المؤسس لهذه الطبيعة العلمانية المادية التي بُنيت عليها الدولة الحديثة، حيث رأى أن فلسفة عصر النهضة والإصلاح الديني، قد كرست الروح المادية للدولة الحديثة، وتميزترؤيتها بالقصور فيتحقيق التوازن «فيشخصية الفرد بين مطالبه الروحية والمادية وفي تحقيق التوازن بين مصالح الفرد والجماعة وبين مصالح الشعوب ، كما أسهمت ((( القوية والضعيفة، وإيجاد السلام والتعاون بينها بدل الاستغلال والتسلط» هذه الفلسفة في صيغتها الإصلاحية الدينية في تكريس الفصل بين «العقل والروح، والروح والمادة، والدين والحياة ومحاولة المحافظة على توزيع السلطة بين الله وقيصر...وقد أ ّت العقل وخلقت دينًا ماديّا فرديّا، لئن أطلق العقل من عقاله يجوب الآفاق ويستكمل مسيرة المعرفة ليوظفها في كثير من الأحيان توظيفًا إبليسيّا في إشباع أهواء التسلط والمتعة الآثمة...فقد أطلق الغرائز المحمومة أيضًا دون ضابط ولا رادع، دون مراعاة للقيم التي تعتبر أعلى قيمة من . 315 الغنوشي، الحريات العامة في الدولة الإسلامية،ص ((( (، 2005 - 5 - 18 رفيق عبد السلام، الخطاب الإسلامي ومعضلة الدولة الحديثة، الجزيرة نت، ((( http :// www . aljazeera . net / knowledgegate / ) 2016 أكتوبر /تشرين 5 تاريخ الدخول . 18 / 1 / opinions / 2005 96 الغنوشي، الحريات العامة في الدولة الإسلامية،ص (((
77
Made with FlippingBook Online newsletter