ومبادئهــا الحداثية، وقد بدا ذلك جليّا في أدبياتها التي زخرت بمعاني الإشــادة بهذه الدولة والاعتراف بأفضالها السياسية والإنسانية، والمتمثلة في توفير الأمن والاستقرار لشعوبها، وتوفير الحقوق الإنسانية والسياسية، خاصة في نموذجها الغربي، الذي يعتبر مهد ولادة الدولة الحديثة. وتعد المشــاركة السياســية في حكم الدولة الحديثة، أكبر الأدلــة على هذا التصالح، لأن هذه الحركات آمنت بالإصلاح من داخل مؤسســات الدولة السياسية لا من خارجها. وقد شــكّلت التجربة السياســية للأحزاب الإسلامية المتشــبعة بفكر الحركات المنبثقــة عنها اختبارًا حقيقيّا لخطابهــا وتمثلاتها حول الدولة، خاصة بعد أن أتيحت لها فرصة ممارســة الحكم بعد ثورات ما ســمي «بالربيع العربي»؛ حيث اختبروا عن قــرب طبيعة الدولــة الحديثة، وأدركوا كنه حقيقتها التي تتطلــب التكيف مع مبادئها ومؤسســاتها، كما وضعت التجربة الإسلاميين أمام تحديين كبيرين؛ يتجلى الأول في اختبار قدرتهم على تنزيل رؤيتهم الإسلامية للسياسة والحياة داخل دولة حديثة قامت على أســس حداثية. أما التحدي الثاني، فيتمثل في اختبار مدى قدرتهم على النجاح في تســيير مؤسسات الدولة في ظل سيطرة الخطاب الأخلاقي والديني على أدبياهم، وفي ظل خصوصية نظام الحكم الذي يتولى قيادة دولهم القطرية الحديثة. لهذا، تغري تجربة الإسلاميين في الحكم، بخوض مغامرة البحث والتنقيب في أدبيات الحركات الإسلامية التي انطلقوا منها، وتشبعوا بفكرها ومبادئها، بهدف رصد معالم الصورة الذهنية التي رسمها الإسلاميون عن الدولة الحديثة قصد الوقوف على مكامــن الخلل والتناقض في هذه التمثلات، ومكامن القوة والإيجابية، وكذا إمكانات التنزيل على سطح الواقع، هذا إلى جانب رصد التطور الذي عرفه خطاب الحركات الإســ مية في اتجاه التصالح مع الدولة الحديثة، وإلى أي حد نجحوا في الانســجام والتوافــق مــع هذه الدولة ســواء على مســتوى الخطاب أو الممارســة. وقد اتخذنا كنموذجين للدراســة كّ من حركة «التوحيد والإصلاح» المغربية مع حزبها «العدالة والتنميــة»، وحركة «النهضة» التونســية، لأن هذه الحركات نظّــرت للدولة وعلاقتها بالدين، وخاضت تجربة حكم الدولة الحديثة. وإذا تساءلنا عن مدى أهمية هذه الدراسة التي ترصد صورة الدولة الحديثة في فكر الحركات الإسلامية، فإن الجواب يكمن في جاذبية هذه الحركات وتنظيمها الجيد، وقدرتها الكبيرة على الاستقطاب، مما جعل منها قوى وازنة في الدول العربية، وأتاح
6
Made with FlippingBook Online newsletter