صورة الدولة الحديثة في مخيال الحركات الإسلامية المغرب وتونس…

ولدى النخبة أيضًا، وبينوا قدرة وبراغماتية في الصراع مع خصومهم حول ورقة كان يمكن أن تربك حساباتهم وتقلّل من رصيدهم الانتخابي، كما حرصت حركة النهضة على تشكيل حكومة وفاق وطني أو وحدة وطنية، تكون ممثلة لأكثر ما يمكن من الطيف التونسي، وهو موقفيكشفعن«قراءة واقعية» للمشهد المجتمعيوالسياسيالداخلي،حيثالتوافقوتنازل . ((( الأغلبية للأقلية؛ مما اعتُبر مؤشر نضج سياسي، يقلّصمن الخوف من الحكم الإسلامي واعتبر الدارسون أن تنازل «حركة النهضة» عن الحكم مرحليّا، يؤكد بشكل كبير تفهمهم للوضعية السياسية التي تمر منها تونس؛ حيث الانتقال من النقيضإلى النقيض، فيظلضعف تجربة الإسلاميين في الحكم؛ تجربة لم تتهيأ لها الحركة بشكل كاف لا على مستوى الفكر، ولا على مستوى الممارسة؛ حيث لم تهيئ الحركة زادًا نظريّا يتوافق وحكم الدولة الحديثة، بل ظل فكرها منصبّا على التوفيق والتكييف بين الماضيوالحاضر، كما أن الحركة لم تراكم تجربة سياسية مهمة في مجال الممارسة، ولو على مستوى العمل في المؤسسات البرلمانية أو الحكومية. إضافة لذلك، نجد أن الشعب التونسي نفسه لم يتهيأ للمرحلة بشكل كاف، لأن النقلة كانت نوعية وصادمة للطرفين. كما أن المعارضين لتوجهات الحركة الإسلامية، لم يتوانوا في وضع العراقيل والمعيقات أمامها، لتشويه صورتها إعلاميّا، وإحباط مشاريعها عمليّا. لقد كانتممارسة الحكم كفيلة بتغيير تمثلات منظّري «حركة النهضة» عن الدولة والحكم؛ حيث انتقلت من الخطاب الخيالي، إلى الخطاب الواقعي -حسب عبد الفتاح مورو- الذي أقر بأن الحركات التي مارست الحكم، ومن بينها حركته، فهمت أكثر من غيرها الواقع، لأنها احتكت باليومي وصعوباته، بعد أن كانت تتحدث بين الكتاب والسحاب، أضحت أكثر واقعية، وأكثر فقهًا لمتطلبات الواقع، واستوعبت أن الشرعية الحقيقية ليستشرعية صندوق، ، بمعنى أن ((( بل شرعية النجاح في الحكم، وشرعية البرنامج، وشرعية مسك مفاصل الحكم النجاح الحقيقي يكمن في الصمود والتفوق في الحكم، لا في الفوز بأكبر عدد من الأصوات الانتخابية. وقد استوعبت «حركة النهضة» بعد خوضها تجربة الحكم، أن امتلاكها شرعية النجاح في الحكم لن يتأتى إلا بالنهوض بواقع تونس اقتصاديّا واجتماعيّا، من خلال وضع برامج عملية وفاعلة، لهذا تحول الهدف من الدعوة لنشر القيم الدينية، وأسلمة الدولة الحديثة، إلى . 536 الإسلام السياسي حاكمًا،ص – الضيافي، تونس ما بعد الثورة ((( مورو، عبد الفتاح، مداخلة، في ندوة عقدها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالتعاون مع ((( معهد عصام فارس للسياسات العامة والعلاقات الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت، بعنوان يناير/كانون 23 و 22 و 21 «خمس سنوات على الثورات العربية: عسر التحول الديمقراطي ومآلاته»، . 2016 الثاني

85

Made with FlippingBook Online newsletter