لأحزابها فرصة المشاركة في حكم الدولة الحديثة في تونس والمغرب، بعد ثورات ما سمي بـ»الربيع العربي»؛ الأمر الذي وضع الإسلاميين أمام تحد كبير يتمثل في اختبار مقولاتهم حول الدولة والحكم، من خلال وضع خطابهم على محك التجربة. وهو ما دفعنا لفحص هذا الخطاب لاســتكناه طبيعة التمثلات التي بنتها الحركات الإســ مية حــول الدولــة الحديثة -التي عارضتها في الماضي-، وكيف تحولت بعض الحركات الإســ مية في اتجاه التصالح معها بعد خوض غمار التجربة السياســية خصوصًا، مما يمكّننا من الاقتراب أكثر من هذه التجربة السياســية للإســ ميين لسبر أغوارها وفك رموزها، للدفع بها نحو مزيد من الفهم والتطور. ودراستنا هذه لا تزعم انفرادها بتناول موضوع علاقة الإسلاميين بالدولة الحديثة، بل هناك دراسات متميزة قاربت هذه العلاقة من زوايا مختلفة، نذكر منها كتاب «الدولة المســتحيلة» لوائل حلاق والذي رصد فيه إمكانات قبول أو إنشــاء الإسلاميين لدولة حديثة ليتوصل إلى خلاصات من أهمها اســتحالة تحقيق ذلك لأن طبيعة هذه الدولة المادية وأسســها الحداثية تتناقض مع ما نظّر له الفكر الإســ مي منذ ســنين طويلة، وما يؤاخذ عليه في هذه الدراسة أنه أوصد الباب أمام أية محاولة لإنشاء دولة حديثة إسلامية. كما تناول إســماعيل الشــطي نفس العلاقة بين الإسلاميين والدولة، من خلال كتابه «الإسلاميون والدولة الحديثة» والذي ركز فيه على التحديات والصعوبات التي تواجــه الإســ ميين في حكم الدولــة الحديثة، مركزًا على المجتمــع الدولي الغربي المتحكم في شؤون الدول العربية الإسلامية والمسيّر لسياساتها المختلفة، وقد تميزت دراســته هذه بطرح جدي وســليم للعوائق الحقيقية التي تواجه التيارات الإسلامية في حكم الدولة الحديثة، لكن دراسته تميزت بطغيان الروح الاستسلامية للواقع دون طرح أي بديل مقنع لتجاوز هذه التحديات والمعيقات. وهناك دراسات أخرى تناولت علاقة الديني والسياسي في تصور الإسلاميين للدولة، لكن الأقلام ما زالت شحيحة في هذا المجال. وما يميز دراستنا ويسمها بالجدة هو رصدها للتطور الفكري الذي عرفته بعض الحركات الإســ مية تجاه الدولة، وتناولها لتجربتهم الآنية في حكم الدولة الحديثة. ومن أهم الإشكالات التي نسعى لمقاربتها فحص مدى استيعاب الحركات الإسلامية المتصالحة مع الدولة الحديثة لصيرورة تشكل هذه الأخيرة وأسسها الفلسفية ومبادئها الحداثية، وإلى أي حد توافقت مع طبيعة هذه الدولة وتكيفت مع أسســها الحداثية،
7
Made with FlippingBook Online newsletter