خاتمة إذا كانت الحركات الإسلامية قد عادت الدولة الحديثة زمنًا طوي ً، واعتبرتها حجرة عثرة في طريق استرجاع الخلافة الإسلامية، وحاربت أسسها ومبادئها الحداثية في بدايات نشأتها باعتبارها مخالفة لأسس ومبادئ الإسلام، فقد طورت العديد منها مواقفها بعد القيام بعدة مراجعات نحت جلها في اتجاه التصالح مع هذا الكيان السياسي الحديث، والتكيف مع مبادئه وأسسه الحداثية، ويتعلق الأمر خاصة بالحركات الإسلامية التي دافعت عن المشاركة السياسية، وآمنت بالإصلاح من داخل مؤسسات الدولة، بل خاضت تجربة الحكم بعد ثورات ما سمي بـ»الربيع العربي» مثل حركة «التوحيد والإصلاح» المغربية وحزبها «العدالة والتنمية»، وحركة «النهضة» التونسية. وقد ع ّت أدبيات هذا التيار الإسلامي عن انفتاح على الفكر الحداثي، ودافعت عن أسس ومبادئ الدولة الحديثة، مثل: الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والعلمانية المميّزة بين الدين والسياسة، والحريات الأساسية... إلا أنها تحفظت على القيم المتعارضة مع الدين الإسلامي، كما عبر هذا التيار الإسلامي في أدبياته عن تجاوزه لمقولات دولة الخلافة، أو الدولة الإسلامية، ودعا لإنشاء دولة عربية حديثة تتوافق مع مقاصد الشريعة. واتخذ هذا التيار الإسلامي عدة إجراءات بعد مشاركته السياسية، مثل: الفصل بين الدعوي والسياسي، ونهج الأسلوب الديمقراطي للوصول إلا السلطة، إلى جانب التوافق مع الأحزاب اليسارية لإدارة شؤون الدولة. ورغم نجاح الأحزاب الإسلامية -موضوع الدراسة- في تولي أعلى مراتب الحكم داخل الدولة العربية الحديثة إلاأنتجربتها اتسمتبضعفالتغيير الإيجابيوالفعال، وبالتناقضأحيانًا بين الفكر والممارسة، ويرجع الأمر لعدة أسباب، من أهمها: أن الخطاب السياسي الإسلامي متصالح مع الدولة الحديثة شكً لاجوهرًا، فالدولة العربية الواقعية «الحديثة» تحتاج إلى تغيير عميق وجذري يجعلها حرة مستقلة في قرارها، وغير خاضعة لضغوطات خارجية تتحكم في تسييرها وتوجيهها وفق إرادتها، أو لضغوطات داخلية تمسك بخيوطها قوى خفية متآمرة مع جهاتخارجية معادية. ولا بأس أن تنهل هذه الدولة المستقلة من تجارب الماضيوتستفيد من تجارب الآخر، ولن يتأتى للإسلاميين وغيرهم تغيير هذه الدولة إلا بخطاب عقلاني واقعي وعملي، وممارسة سياسية مستقلة وحازمة، ناهيك عن امتلاك إرادة حقيقية للتغيير الإيجابي وإلا ستجد الأحزاب السياسية نفسها خاضعة لإكراهات الدولة وسلطتها، غارقة في بحر من التنازلات لإرضاء جميع الجهات الضاغطة الداخلية والخارجية، والأمر لا يقتصر على
91
Made with FlippingBook Online newsletter