الأحزاب الإسلامية، بل عاشته قبلها أحزاب يسارية وصفت نفسها بقوى التغيير التقدمية، ولما وصلت لمراكز السلطة لم تستطع تحقيق التغيير المنشود، لأنها وجدت نفسها في دولة حديثة تابعة لا تملك قرارها المستقل، كما اصطدمت بقوى داخلية متحكمة في مسار الدولة، وهي صاحبة القرار الأساس، والتساؤل المطروح هو: ما جدوى المشاركة السياسية في غيابسلطة القرار الحقيقية؟ فالتنازلات الإجبارية والمراجعات الإرضائية لا الإبداعية التي لمسناها في تجربة كل من حركة «النهضة» وحركة «التوحيد والإصلاح» وحزبيهما، تشير إلى نجاح الدولة في ترويض الإسلاميين وإخضاعهم لبرامجها وتوجهاتها بدل إخضاع هذه الدولة لمقاصدهم وأهدافهم ومطامح الشرائح التي اختارتهم؛ الأمر الذي سينعكس سلبًا على الثقة في برامجهم المستقبلية. إلا أن هذا العجز الآني لا ينفي تطور خطاب الإسلاميين ونضج فكرهم بعد مشاركتهم السياسية، لأنهم وُضعوا في محك التجربة واختبروا عن قرب مقولاتهم السابقة عن الدين والدولة، والسير وفق مقاصد الشريعة.. ليجدوا أنفسهم في مأزق بسبب الهوة الكبيرة بين الفكر والواقع؛ الأمر الذي نحا بهم نحو التوافقات والمواءمات. وما دامت التجربة السياسية لا تزال حديثة فيمكن لخطاب الإسلاميين عن الدولة أن ينحو نحو مزيد من التطور والنضج والواقعية في المستقبل ليكون أكثر إقناعًا وانسجامًا مع الممارسة.
92
Made with FlippingBook Online newsletter