| 108
. في أولوية الصحة: من يوفر الأمن؟ 3 إن العلاقة بين الأمن والصحة ليست نتاج مصادفة، بل إنها تعكس تحوّلات سياقية بدأت منذ التســعينيات وتمتد حتى اليوم. وهناك بعض الأسباب التي يمكن أن تُبيّن حجم الارتباط بين الصحة والأمن البشري: تعكــس الحــروب الجديدة والأمــراض الوبائية والنتائج الصحيــة للفقر؛ إما أولً: الهشاشة في ظل العولمة، أو الاعتراف بالأوجه اليومية لانعدام الأمن التي تواجهها الشــعوب المهمشــة. فقد تحدّت التحوّلاتُ الســياقية الطرائقَ والآليــات التقليدية للاســتجابة للعديد من حالات انعدام الأمن، وبرز الأمن البشــري والصحي مدفوعًا بهذه التحولات الجديدة. يبدأ الأمن البشــري من منظور يتمحور حول الفــرد والناس، ويولِد مجموعة ثانيًــا: مــن الأولويــات المختلفة عن تلك التي لدى الأمن القومي المتمحور حول الدولة. كمــا لا يمكــن تلبية الاحتياجات الأمنية للنازحين داخليًــا أو للفقراء أو المعرضين لخطر كبير للإصابة بالأمراض الوبائية من خلال الفهم التقليدي للأمن والتنمية، ولا يمكن للحماية العســكرية للحدود الوطنية أن تفعل الكثير لحماية الناس من العديد مــن التهديدات الصحيــة الجديدة. ويمكن لنموذج جديد محوره الأفراد، بما له من تداعيات على السياسات، أن يُكمّل ويُعزّز أمن الدولة لحماية الناس في عالم مترابط وغير مستقر. يساعد الأمن البشري في التعرّف على عمق الأزمات الصحية وتأثيرها الممتد، ثالثًا: فعمقهــا يتمثّــل في أن الصراعــات والأوبئة والأمراض تولّــد اضطرابات اقتصادية واجتماعية وسياسية عميقة، بينما تكون المؤسسات الاجتماعية، بما فيها الحكومات والخدمات الصحية، مُعطّلة بشــدة. علاوة على ذلك، يجب أن تتعامل السياســات والإجــراءات الصحية مــع حالات الطوارئ ومع الأزمــات الممتدة. وفي كثير من الأحيان، تؤكد الروابط بين الصحة وانعدام الأمن البشري ضعفَ قطاع الصحة العامة والخدمات العلاجية في معظم البلدان، الغنية منها والفقيرة على حدّ سواء. يُجسد الأمن البشري الشمولية التي يجب أن يواجه بها قطاع الصحة العديد أخيرًا، من التحديات الناشئة، فلم يعُد بإمكان الفاعلين في مجال الصحة التصرف بمفردهم دون التنســيق مع العديد من الجهات الفاعلة الأخرى المعنية. كما أن السيطرة على الأوبئة باتت غير ممكنة بدون المراقبة والسيطرة والاستجابة للتجارة الدولية والهجرة
Made with FlippingBook Online newsletter