| 232
الذي أسّسه دايتون -وأسهمت الأحزاب السياسية القومية البوسنية في تأزيمه- البلاد وقــوّض ديمقراطيتها، وقلّل ثقة الجمهور في مؤسســات الدولة، وشــوّه الاقتصاد، وجذب تدفقات مالية مشكوكا فيها تَعْبُر منها إلى باقي بلدان أوروبا. أما النظام القضائي المختل أص ً، فقد استولى عليه القوميون العرقيون، وباتت رشوة القضاة من الروتين اليومي، بل وأصبحوا يشاركون في الأنشطة السياسية الحزبية أو يتلكــؤون في نظر القضايــا المتراكمة، مما يؤخر إنجاز العدالة ويزيد من تآكل الثقة في الهياكل القائمة. ومع تسييس سلطة القضاء وبروز قضاة سياسيين، بات المواطنون يشككون في الأحكام القضائية، بل ويرفضون الامتثال لها أيضًا. وهكذا أصبح القضاء .) 14 الذي يُفترض فيه أن يكون جزءًا من الحل، جزءًا من المشكلة( من جهة أخرى، يعطّل إطار دايتون المؤسسي أيضًا مشاريع التنمية الاقتصادية للبلاد، فالبوســنة والهرســك دولة موحدة، لكنها تمتلك عدة اقتصادات، وتسعى كل سلطة لامركزية -ســواء على مســتوى الكيانات أم على مســتوى الكانتونات- إلى وضع الحواجز أمام النشــاط الاقتصادي للكيانات الأخرى، حيث لكل مســتوى حكومي قواعــد وإجــراءات أعمال خاصة به، وهو ما يغذّي الاختلافات العرقية والسياســية ويزيد من تأكيدها. وقد أدى كل ذلك في النهاية إلى تدنّي مرتبة الدولة عالميّا على . 2020 مستوى مؤشر سهولة ممارسة الأعمال الصادر عن تقرير للبنك الدولي عام كما طال الفســاد عمل البنى التحتية للاتصالات بســبب الانقسامات السياسية، بينما أســطول النقل متصدع وغير متطور بسبب سيطرة الأحزاب السياسية القومية العرقية على المؤسسات العامة والقطاعات الكبرى المملوكة للدولة. أما على المستوى الاجتماعي، فإن نسبة البطالة الهيكلية مرتفعة جدّا، فما يقرب من نصف السكان غير نشطين اقتصاديّا، ولا يحصل على عمل سوى ربع إجمالي السكان فقط، في حين بلغت نســبة بطالة الشــباب من حملة الشهادات الجامعية والتأهيلية، ، وهو ما دفع بأعداد هائلة 2020 % في عام 40 أكثر من 19 بسبب آثار جائحة كوفيد- من الشــباب من خريجي الجامعات والحاصلين علــى درجات علمية مرموقة، إلى مغادرة البلاد بحثًا عن فرص حياة أفضل. كما لا يزال ضمان حرية التعبير موضع شك، حيث تسيطر الأحزاب السياسية القومية على أغلب وأهم وسائل الإعلام المرئية والورقية في البلاد، وتنفرد لوحدها في توجيه الرأي العام الموالي لها واستهداف كل مناوئيها من الأحزاب والجمعيات، بل وحتى
Made with FlippingBook Online newsletter