العدد 11 – أغسطس/آب 2021

| 252

إن التركيز شــبه الصحفي في الكتاب على تفاصيل الوقائع إلى حد الإشــباع، ساهم فــي تكرار المعطيات والمعلومات من دراســة إلى أخــرى، حول عمليات التضليل والســلطوية والحروب الســيبرانية. وهكذا فغياب خيط نظري ناظم لتلك الأبحاث، قــد أفقد المعطيــات التاريخية والرقمية المدلى بها، وظيفتَهــا المركزية في التحليل والمحاججــة. إن المعطيات بدون إطار نظري ناظم، تظل عمياء كما يقول إيمانويل كانت. يشــكّل الســلم في الكتاب أفقًــا للالتماس، بالرغم من حضــوره الوازن في عنوان الكتاب، بينما تكثر الوقائع التي تحيل إلى المعارك الســيبرانية ســواء على المستوى الداخلــي أو على مســتوى العلاقات الدولية. إن موضعة الكتاب للحرب والســلم الســيبرانيين بهذه الطريقة، لا يعكس علاقة الجدلية الأنطولوجية التي تجمع الحرب بالسلم، مثلما وردت في فكر كلوزفيتش؛ أي الحرب كسياسة مطبقة بوسائل أخرى. وســواء تم النظر إلى المســألة من جهة هذا الأخير، أو من جهة القلب الذي تعرض له مبدؤه على يد ميشــال فوكو، أي السياســة كممارسة للحرب بوسائل أخرى، فإن الطرحيــن يتمتعان بمصداقية مذهلــة، يمكن أن تناقض التقابل المصطنع الذي أقامه فوكو بينه وبين كلوزفيتش. إن الحرب السيبرانية في الشرق الأوسط ليست سوى مواصلة للسياسة كتأثير، بوسائل مغايرة؛ مثلما أن الجيو السياسة كسلم، تحتمل شن حروب إلكترونية دون المساس بشــكل كبير بتوازنات الســلم القائم، وهو ما يعني أن الحرب السيبرانية متضمنة في السلم، كما أن هذا الأخير، كسياسة للتجاور المكروه، لا يستبعد مناوشات إلكترونية وحملات تضليلية وتدخلات ســافرة. وما يعزز هذا التحليل أن الحرب الســيبرانية لا تنتشــر على المشــارف والحدود الخارجية للدول مثل الحروب التقليدية، ولكنها أضحت ممارســات يومية خفية تجري داخل شــرايين الدولة، دون أن تسمع صوت البنادق وضجيج الأسلحة. إن الموقف القاضي بالتماس الســلم، انطلاقًا من وضع حد للحرب الســيبرانية من خلال القانون الدولي الاتفاقي، كما يرد في توصيات بعض الدراســات في الكتاب، يقوم على تصور ميتافيزيقي-مثالي يلتمس انتصار الخير على الشــر، مستبعدًا تصورًا مانويّا للحرب والسلم يصور علاقتهما كزواج أعرج، ولكنه حتمي. إن قواعد السلم

Made with FlippingBook Online newsletter