العدد 11 – أغسطس/آب 2021

| 254

الخبيث في نبات الإنترنت الذي يبهر الناظر بأزهاره اليانعة، حتى يسلم خصوصياته الحميمية في طواعية، كبيانات قابلة للاستغلال السياسي. ويلتقي الزمن السيبراني في خصائصه اللاتركيزية واللاإقليمية والجذرية (الجذمورية) تلك، مع خصائص الولايات المتحدة وواقعها الجيوسياســي والحربي. ويبدو ذلك واضحًــا حينمــا يتم تجريدها من الأغلفة الحقوقية (الديمقراطية) والفلســفية (نهاية التاريــخ)، من أجل الكشــف عن أساســها الوجودي، كحــرب دائمة من أجل نزع الإقليميــة عــن العالم. إنها الجنون المخيف للتقنية كما قــال هايدغر في ثلاثينيات )، والتي تجسدت بعد ذلك في حروبها المتطورة عبر العالم. يقول 4 القرن الماضي( أميركا " الفيلسوف التونسي فتحي المسكيني، مؤوً جيل دولوز وفيليكس كواتاري: الآن ترتيب غير مسبوق للعلاقة مع الأرض بوصفها إقليمًا ندخله ونخرج منه باستمرار، بحسب كثافة خطوط إقامة وهروب لا ينقطعان، خطوط إقامة وتنضيد وتقسيم رسم للخرائــط، ولكن أيضًــا خطوط هروب ونزع للإقليمية وكســر للحدود والحواجز. )، وهو Rhizome أميركا هذه ليســت ذاتًا ولا موضوعًا، بل هي حسب عبارة دقيقة ( ما يعني عادة جذعًا تحت الأرض لنباتات ترســل براعم في الخارج وتنبت جذورًا .) 5 ( " مضرة في جزئها السفلي ألا تلتقي الخاصية الجذمورية للولايات المتحدة باعتبارها حركة ترحالية نحو الخارج مع الفضاء السيبراني في جانبه الحربي، كتعدد انبثاقي مترحل، لا بداية له ولا نهاية، .) 6 يعمل من خلال التوسع والغزو والقبض والوخز( وتشــكّل الحدود المفتوحة والحضور على ملعب بدون حدود، المقوّم الرئيســي في التشــكل الإمبراطوري للولايات المتحدة. ومما لا شــك فيه أن الفضاء الســيبراني بخصائصه السالفة الذكر وما يسمح به من مراقبة للعالم، يشكّل الأداة الجديدة لذلك النفس الإمبراطوري الهادف إلى ملاقاة الآخرين ودحرهم. فمن يســتمد ماهيته من إرادة حرب في فهمه لذاته، ســيكون الســبّاق إلى تشــغيل جحيم الحرب السيبرانية والمساعدة على ذلك على الأقل (مساعدة إسرائيل وحلفاء أميركا بالمنطقة). خلاصة ليس العهد الســيبراني مرضًا أخلاقيّا، ولكن قدرًا عالميّا محتومًا، متســقًا مع الزمن الإمبراطــوري الجديد المؤســس على مصادرة الحــدود المفتوحة، وهو ما يعني أن الشرور الإلكترونية التي تجري في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تظل محايثة

Made with FlippingBook Online newsletter