torath 307- May-2025

المخطوطات في الإمارات: إرث ثقافي وتاريخي متجدد

من الحياة في الجزيرة العربية، فبلا شك أن المخطوطات العُُمانية واليمانية وغيرها، التي لم يمسسها أحد بعد تحتوي على ما هو مهم ومثير وخفي عن تاريخ هذه المنطقة وثقافتها. ويرى الراحل أحمد راشد ثاني أن الركون إلى القول في كون الوثائق الاستعمارية هي وحدها مصادرتاريخنا، تفضحه بشكل ما مثل هذه المذكرات التي دوََّنها علوي الحد ّّاد. كما أنها تشير إلى حالات وفترات ازدهر فيها التدوين في هذه المنطقة التي كانت مستغرقة في شفاهيتها. وتأتي أهمية المخطوطة التي تركها علوي الحداد عن رحلته إلى الصير إلى كونها على قلتها إلا أنها ت ُُشير إلى حراك ثقافي مميز في تلك الحقبة، ولعل من أبرز تلك الإشارات هي الصلات الثقافية العميقة المفتوحة بين أهالي الص ّّير وما يحيطها، فالمتصوف زين العابدين الحداد كان على ما يبدو يتبع تقليدا قديما حينما رحل من موطنه حضرموت إلى البصرة، ليستقر بعد ذلك نهائيا في رأس الخيمة، وهذا التقليد على العموم منغرس في الظاهرة الصوفية اليمنية التي وس ََّعت سياحتها لتشمل مناطق قصيََّة من آسيا وأفريقيا. ولكن رأس الخيمة مثلت استقطابا للعديد من الفعاليات الدينية والأدبية طوال تاريخها. فغير زين العابدين الحداد، جاء من البصرة الشاعر محمد بن صالح المنتفقي واستقر نهائيا في هذه المدينة أيضا حتى وفاته. كما جاء من الإحساء علوي بن علي العيدروس والسيد المُُكاشف يوسف من سادة اليمن. ومن المغرب تجو ََّل في هذه المنطقة مة محمد المغربي» أيضاًً. ولقد ا «الكامل العارف المالكي العل َّا التقطت مذكرات علوي عن رحلة هذا العلامة وهو يُُغلق الباب على تلامذته في الص ّّير كي يشرح لهم كتاب «الحكم» لابن عطاء. ويورد أحمد راشد ثاني في هامش كتابه أسماء أخرى ممن مر ََّوا بالصير أيضاًً، ذاك ار منهم: الشيخ حسن بن محمد المدني البغدادي، الذي كان على الطريقة السهرودية، والذي جاء مع والده إلى المدينة المنورة وأخذ منها الطريقة النقشبندية وقابله هناك الشيخ عبد القادر البستكي، فدعاه إلى بر فارس، فهاجرإلى هناك عن طريق بغداد ومن ثم البصرة وتوقف سنتين في الص ّّير. ويكشف الحداد في مخطوطته عن رحلات دعوية وثقافية بين رأس الخيمة والساحل الشرقي من الخليج حتى وقت متأخر من القرن الثامن عشر. كما ي ُُشيرالحداد في «المواهب والمنن» إلى الصلة التي تربط ِير، ويرى الراحل أحمد �ِّ هؤلاء المتصوفة مع أقرانهم في الص

التي تعود إلى أيام القطب عبد الله الحداد في القرن السابع عشر. وقد أرّّخ الباحث الإماراتي الراحل أحمد راشد ثاني جزءا مهما من سيرة المكان؛ إذ أتى على ذكر الجزيرة الحمراء وصلتها بالحركة الصوفية في كتابه (رحلة إلى الصير)، ذاكرًًا أن «ضريح زين العابدين بن عبد الله الحد ّّاد كان في الجزيرة الحمراء وعليه قبة، وكان شمسياًً. كما كان يزور الضريح العديد من المريدين والأهالي، بل إن هناك من يُُفضل دفنه عند هذا الضريح، ومنهم الولي نور الدين علي وهو أحد أبناء الحسين بن عبد الله الحداد «القطب». أهمية مخطوط (المواهب والمنن) لعلوي بن أحمد بن حسن الحداد «المواهب والمنن» هو مخطوط يحوي مذكرات علوي بن أحمد بن حسن الحداد عن زياراته إلى رأس الخيمة في القرن ِير الشاعر �ِّ الثامن عشر الميلادي، ومنظومات لساكن الص محمد بن صالح المنتفقي. وتبرز أهمية المخطوط الذي عثر عليه الباحث الراحل أحمد راشد ثاني في الكشف عن حقبة مجهولة من التاريخ الثقافي لهذه المنطقة التي تحتاج إلى مزيد من الجهد البحثي والتحقيق والدراسة. فالأوراق التي تركها الحداد ليست الوحيدة التي تكشف وتُُوثق الجوانب المختلفة

راشد ثاني أن الطريق المار بين ضنك والشويب (أعالي العين) مروار بمليحة والمدام والذيد وحتى رأس الخيمة طريق موغل في الق ِِدم وهو طريق تقليدي لمرورالقوافل. أكثرمن ذلك فإن الشاعر المايدي بن ظاهر، وحسب بعض الروايات، عاش في الفترة التاريخية نفسها التي كان فيها زين العابدين الحد ّّاد في الص ّّير، وكذلك الشاعر محمد بن صالح المنتفقي. وإن أهم ما يكشفه مخطوط الحداد عن وجود حركة صوفية حيوية نشطت في المنطقة منذ مطلع القرن الثامن عشر ِير مؤلفات �ِّ الميلادي، ففي تلك الفترة لم تكن تُُقرأ في الص كإحياء علوم الدين للغزالي، أو شرح كتاب «الحكم» لابن عطاء الله السكندري، أو الشروحات وشروح الشروحات الفقهية والصوفية فحسب، وإنما كان هناك مجموعة من المعلمين والشراح لهذه الكتب. وكانت هناك مجموعة من ِن أحد المساجد �ِّ النس ََّاخين أيضاًً، منهم على سبيل المثال مؤذ في الصير، ويُُدعى «محمد بن بشير»، وكان رجلا صالحاًً، طالب علم منتفع. أسماء الأعلام والوجهاء والقبائل وفي المخطوط إشارات كثيرة لأسماء الشخصيات والقبائل والشيوخ والأعلام والأولياء الذين لم يصلنا ذكرهم من قبل

أيضاًً، على سبيل المثال لا الحصر: قبيلة زعاب، والنعيم، وبني ياس، وبنو زراف. وأسماء الشخصيات، مثل: منصور بن مقبل الزعابي، ومانع بن مقبل الزعابي، والولي نور، وعبد الواحد بن سبيت الزرافي أو حسن بن عبد الهادي المهدلي، وابن روعي الحجازي، وعماد الدين أو السديلي وغيرهم. ِر أنهم �ِّ ويُُدوّّن هنا الراحل أحمد راشد ثاني تعليقه: «وحين نُُقد لربما تركوا مخطوطات أو كتابات، ندهش حقا من اختفاء أي أثر عنهم، فهناك الكثير من مؤلفات السادة العلويين حول رحلاتهم وسياحاتهم في الخليج والهند لاتزال مخطوطات، ومنها على الأرجح مخطوطات تتعلق بزين العابدين الحداد المقبور في الجزيرة الحمراء، ولقد قرأنا عن كتاب لعبد الله بن جعفر مدهر العلوي في مناقب هذا الصوفي ّّ، ولم نستطع العثور عليه». أسماء المناطق التي يذكرها الحداد في مخطوطته يكثرالحداد من ذكر«الجزيرة الحمراء»، أو «جزيرة زعاب» كما يُُسميها، نظ ار للصداقات التي ربطت بين المتصوفة العلويين ومشايخ الزّّعاب. ومن المناطق التي يذكرها الحداد على سبيل المثال لا الحصر: بلدة «المحارة»، وهو حي لا يزال محتفظا

35

34

2025 مايو 307 / العدد

مخطوط (المواهب والمنن) الرحلة الكاشفة إلى الصير

Made with FlippingBook Digital Publishing Software