وجهة سفر
صفاقس: من العمق الحضاري إلى النهضة الحديثة
إعداد: ضياء الدين الحفناوي مدينة صفاقس بجذور تاريخية تعود إلى عصور تتمتع قديمة جداًً، حيث كانت تعرف باسم (تبرورة) خلال العصر الفينيقي والروماني. وقد ازدهرت هذه المستعمرة القديمة بفضل موقعها الاستراتيجي على طرق التجارة في البحر الأبيض المتوسط. وتشهد الآثار المحيطة بالمدينة على أهميتها التاريخية وتقدم لمحة رائعة عن الماضي وكانت المدينة بمنزلة مكان لقاء للت ُُجاروالمسافرين القادمين من مختلف أنحاء البحر الأبيض المتوسط. واليوم تعد بقايا هذه المستوطنة القديمة من بين أهم المعالم التاريخية في المنطقة، حيث تسمح للزوار بالانغماس في حقبة بعيدة وساحرة وتشكّّل المعالم والمواقع الأثرية المحيطة بالمدينة عامل جذب لا يقاوم لعشاق التاريخ، حيث توفر نظرة ثاقبة على الحضارات القديمة وقد س ُُميت صفاقس بهذا الاسم لاحقا نسبة إلى القائد الأمازيغي (سيفاكس) وهو بطل من الميثولوجيا الأمازيغية ومعنى الاسم في الأصل (المدينة المحص ََّنة). أصالة متجذ ّّرة ونمو متوازن في الفترة الإسلامية، أصبحت صفاقس مركاز ثقافيا ودينيا بار از في تونس، وتمي ّّزت بمعالمها مثل المسجد الكبيرالذي ي ُُعد رم از للعمارة الإسلامية. وقد مرّّت المدينة باحتلالات متعددة ًًا من النورمان، والإسبان، والعثمانيين، والفرنسيين، ولعبت دور . وخلال القرنين 1956 مهما في المقاومة حتى الاستقلال عام التاسع عشر والعشرين، تطورت صفاقس اقتصاديا بفضل
نظار لخبرتهم في التجارة والزراعة والصناعات، خاصة في إنتاج زيت الزيتون. كما يُُعرفون بالتزامهم العائلي، وحرصهم على التعليم، والاستثمار العقاري، بالإضافة إلى مهارتهم في الصيد البحري. وتفردهم يظهر في لهجتهم الخاصة وعاداتهم
صناعات، مثل: الفوسفات وزيت الزيتون، مع الحفاظ على طابعها التقليدي. أسهم التطورالاقتصادي في جعل صفاقس مركاز اقتصاديا باراز في تونس، تدعمه بنية تحتية حديثة وقطاعات متنوعة كالصناعة والزراعة والتكنولوجيا. وتُُعد ثاني أكبرمدينة في البلاد من حيث السكان، مع تنوّّع سكاني يجمع بين الأصول العربية والأمازيغية، محافظة على هويتها الثقافية بين التراث والحداثة. يتميّّز سك ّّان صفاقس بصفات فريدة أبرزها المهارة الاقتصادية، حيث يُُعرفون بـ«التجار بالفطرة»
الاجتماعية المتّّزنة بين البساطة والرقي. تاريخ محفوظ وحداثة تنبض
رغم أن صفاقس لا تُُصنّّف كوجهة سياحية بارزة مثل سوسة أو جربة، فإنها تخفي في طياتها كنواز تاريخية ومعالم أثرية ت ُُجس ّّد عمق تراثها العريق. تتميز المدينة بعمارة قديمة رائعة، تعود إلى القرن الثالث عشر، لا تزال محفوظة بشكل جيد، وتُُذكّّر زائريها بالأجواء الرومانية التي تطغى على العديد من مواقعها التاريخية، لا سيما في قلب المدينة، حيث تُُلهم المباني القديمة طابعها المعماري من الطراز الروماني. وفي المدينة العتيقة، التي تمثل الجزء التاريخي الأبرز من صفاقس، يتجلى التمازج البديع بين الطابع التقليدي والأجواء المعاصرة. فبين أزقتها وأسواقها، يمتد عبق الماضي متداخلا مع ملامح الحاضر، إذ تحيط بها أسوار العصور الوسطى، وتحتفظ بأبوابها القديمة، مثل «باب الديوان» أو«باب البحر»،
61
60
2025 مايو 307 / العدد
صفاقس: من العمق الحضاري إلى النهضة الحديثة
Made with FlippingBook Digital Publishing Software