torath 307- May-2025

ارتياد الآفاق

(الذهب الخالص). - توزيع الذهب كان سخيّّا لدرجة أنه تسبب في انخفاض قيمة الذهب في مصرومنطقة شمال أفريقيا والممالك المجاورة لأكثر من عقد! - صرف في القاهرة وحدها ما يعادل نصف مليار دولار بعملات اليوم، على الفقراء، والعلماء، والطابل، والتجار، وبناء المساجد. وصلت شهرة مالي وأخبار قافلة الحج ودلالتها إلى أوروبا كلها. ومنذ ذلك الوقت ازداد التفكير الأوروبي لتعرف قلب أفريقيا والوصول إليه، فأنشأ الأوروبيون مدرسة في جزيرة «ميوركا» كان أهم أهدافها تعرف قلب أفريقيا وظهرت صورة منسا موسى في أغلب الخرائط التي رُُسمت في أوروبا في ذلك القرن، وترجع أقدم م، وقد أوضحت الخريطة ملكا مهيبا جالسا 1339 خريطة إلى عام على عرشه في كامل لباسه الملكي، وعلى رأسه تاج، وفي إحدى يديه صولجان الملك، وفي اليد الأخرى قطعة من ذهب يقدمها لشخص ي ُُهرول نحوه، ومنقوش على الخريطة الجملة: «هذا السيد الزنجي موسى مالي سيد زنوج غينيا، يكثرالذهب في بلاده حتى صار أغنى وأعظم ملك في جميع البلاد»، ويؤكد المتخصصون على أن أخبار رحلة موسى زادت الرغبة في التعرف على قلب أفريقيا، تمهيدا لحركة الكشف والاستعمارالأوروبي.

مرافقي منسا في طريق ذهابه إلى الحج. والموضع الثاني اختص فيه ابن بطوطة بتفصيل أكثرفي أخبارسراج الدين بن الك ُُويك، م ِِن ت ُُج ّّارالإسكندرية؛ فذكردخوله بلاد مالي لاقتضاء دينه من منسا موسى، ووفاته فيها. رحلة الحاج منسا موسى التي نُُقلت من فم إلى فم، ومن ورق إلى خريطة، حتى ظهرت صورته في خرائط أوروبا في القرن الرابع ًًا عشر، جالسا على العرش، يحمل قطعة من الذهب في يده رمز لملك أفريقيا الذي أدهش العالم. السردية: قافلة من ذهب - بدأ منسا موسى رحلته للحج من عاصمته (نياني) متجها إلى ًًا مدينة (ولاتا) في موريتانيا وامتدت عبرالصحراء الكبرى، مرور بمناطق النيجر، ثم «تاغازا» (مناجم الملح) ثم (توات) في الجزائرومن ثم أكمل زيارته الشهيرة إلى (القاهرة) التي استقبله فيها السلطان المملوكي الملك الناصربحفاوة بالغة، حتى وصل إلى (المدينة المنورة) و(مكة المكرمة) وأقام فيها المناسك، ومن خلال المصادريمكننا تصورحجم قافلته في الأرقام التالية: من العبيد يرتدون الحرير. 12,000 شخص، بينهم 60,000 - كيلوغراما من 135 جملا (حمولة) يحمل كل منها نحو 80

قبل الختام في زمن يعج بالصراعات، والفتن، والجهل، خرج من أقصى الغرب رجل أسود البشرة، مسلم، متواضع، حمل كنوز الأرض لا ليُُباهي بها، بل ليحج ّّ، وليعطي، وليُُعلي من شأن قومه. هل كانت رحلة السلطان موسى درسا في الحكمة؟ هل أراد أن يبعث برسالة أن القوة الحقيقية للمال تكمن في إنفاقه على من يستحق؟ هل صحيح أن الحج لم يكن طقسا دينيا فقط بالنسبة إلى منسا موسى، بل ربما كان مشروعا حضاريا أيضاًً، حيث عاد السلطان من رحلته محم ّّلا بالعلماء، المعماريين، والفقهاء، وأمر ببناء جامع سنكوري في تُُمبكتو، الذي تحوّّل لاحقا إلى منارة علمية تستقطب الطابل من كل أفريقيا باحث في أدب الرحلة

الهوامش: . انظرابن خلدون، وصبح الأعشى للقلقشندي. 1

. من غرائب رحلة منسا موسى أنه أنفق كميات هائلة من الذهب في المدن التي مر 2 بها، حتى تسب ّّب في انخفاض عالمي بسعرالذهب وحدوث تضخم اقتصادي. ويقال إنه اضطر في نهاية الرحلة إلى الاقتراض بعد نفاد ما كان معه. وقد بقيت زيارته للقاهرة حديث الناس لعشرات الأعوام، لما وزّّعه خلالها من خيرات على الفقراء. المصادر: - دولة مالي الإسلامية، دراسات في التاريخ القومي الأفريقي، إبراهيم علي طرخان، م. 1973 الهيئة العامة للكتاب، عام - مََنْْسا مُُوسََى: الس ُّّلطان الحاجّّ، تأليف محمد دوكوري، مكتبة أيوما، جوس- م. 2022 ، عام 2 نََيجيريا. ط - راجع المصادرالمذكورة في المقال من عيون التاريخ وأمهات الكتب.

71

70

2025 مايو 307 / العدد

م عندما تغيّّر الرحلة تاريخ الإنسان والعالم! 1324 رحلة السلطان منسا موسى من «مالي» إلى «مكة»

Made with FlippingBook Digital Publishing Software