فنون متجذرة
خالد صالح ملكاوي الفنون الشعبية في إمارة أبوظبي بالهوية الثقافية للمنطقة أي ََّما اتصال، وتجس ّّد، بتنو ّّعها بين الرقصات التقليدية تتصل والموسيقى والحرف اليدوية والفنون الشفهية، تراثا غنيا يعكس الحياة الاجتماعية والتاريخية لسكان الإمارة، ويحمل رمواز تمضي في نسق الثقافة المشتركة للمجتمع الذي نشأت فيه، سيما وأن جذورمعظم هذه الفنون تعود إلى العصورالقديمة، حيث كانت الفنون وسيلة التعبير عن الفرح، والتواصل الاجتماعي، والاحتفال بالمناسبات الوطنية والدينية. وقد تأثرت هذه الفنون بتاريخ المنطقة وثقافتها البحرية والبدوية، وظلت تشكّّل موروثا يحظى بجهود مستمرة للحفاظ على عناصره وتوثيقها وضمان استمرارها للأجيال القادمة. ولم تكن هذه الفنون الشعبية بمنأى عن التأثُُّر بعوامل جغرافية واجتماعية متعددة، إذ انعكست البيئة الصحراوية والبحرية على طبيعة الموسيقى والرقصات فيها، ووفقا لما تراه الدكتورة إيمان الهاشمي، الموسيقية والملحنة، فإن الموسيقى الإماراتية في الأربعينيات من القرن الماضي كانت تعتمد على الأنغام التقليدية وفقا لتقاليد المهن، سواء في البر أوفي البحر، مثل «الحدوة» واستخدام الدفوف والطبول «الطيران»، وكذلك تراث «العيالة» و«الحربية» و«الرزفة»، أما في الخمسينيات فغدت الموسيقى تقليدية وشعبية ومهنية، وتعتمد كثي ار على الأداء بأن يكون صوتيا من دون آلات موسيقية متعددة، مثل «التشوليب»، و«الونّّة». الفنون الشعبية في أبوظبي.. تاريخ وثقافة وأسلوب حياة
ومع تنوّّع الفنون الشعبية في الإمارات تبعا لتنوع البيئات والسكان، فلا غرابة أن تنتشرفي مناطق أبوظبي بعض الفنون أكثر من انتشارها في غيرها من المناطق، وربما ينتشر بعضها في مناطق العين أو ليوا أكثر من الانتشار في مدينة أبوظبي، فرغم سيادة بعض الفنون الشعبية في مختلف مناطق الدولة، إلا أننا ما زلنا نجد احتفاء أكبر وتقدي ار أكثر لبعض هذه الفنون في أبوظبي، لا بل إن بعضها ارتبط بأبوظبي دون غيرها، مثل فن «التشوليب»، وبعضها ارتبط بالعين مثل فن «التغرودة». ولا غضاضة في أن نعرف تفاصيل مثل هذه الفنون التي ما زالت موضع احتفاء وتقدير، على الص ُُعد والمستويات الرسمية وغير الرسمية كافة، وغدا بعضها ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لـمنظمة «اليونسكو». العيالة ًًا تُُعد ملحمة فنية كاملة، ومن أكثر العروض الفنية انتشار في أبوظبي وغيرها من مناطق الدولة. وهي فن عربي أصيل وعريق، تتضمن رقصا وغناء جماعيا ضمن فقرات من فنون الأداء الشعبي والشعر والإنشاد وقرع الطبول. ورقصة العيالة تجس ّّد ثراء الإرث الثقافي الإماراتي بالنبل والفضائل، إذ تعكس روح المروءة والشهامة، كما تُُعلي قيََم الكرامة والشرف، وتعبّّر
عن القوة العربية وعن زهوة الفخر بالانتصار. يقف الرجال في العيالة في صفين متقابلين متلاصقي الأكتاف، ومتشابكي الأيدي من الخلف على الخصور، ويجري التلويح بالسيوف المصقولة اللامعة، على أنغام حماسية صاخبة ذات إيقاع سريع، تؤججها ضربات الطبول الضخمة (الكواسر)، ونقرات الدفوف، وقرع الطويسات معاًً. ويصدر الأمر بالبدء من قائد العيالة، فيقترب الصفان، وكأن الهجوم يقود للاشتباك بينهما، وتشارك في الوسط الفتيات الصغيرات (النعاشات)
73
72
2025 مايو 307 / العدد
الفنون الشعبية في أبوظبي.. تاريخ وثقافة وأسلوب حياة
Made with FlippingBook Digital Publishing Software