فنون متجذرة
التشوليب هو فن من الفنون الحربية الإماراتية العريقة، يجمع بين الفروسية والشعر، وتُُؤديه مجموعات من المحاربين والفرسان، عبر تلحين أبيات من الشعر النبطي وأهازيج وقصائد حماسية ارتجالية ضمن أوزان وألحان محددة تتناغم مع حركة هذب خيلهم. وتميزت شرطة أبوظبي في إحياء هذا التراث الأصيل، من خلال فرقة فرسانها التي تقدم عروضا مبهرة على ظهور الخيول، تمزج فيها بين جماليات الشعر النبطي وألحان الأهازيج الحماسية؛ إذ يُُشولب الفارس بشكل فردي أوضمن مجموعة لبث روح الحماس لدى الفرسان لصد العدو، وتحفيز الخيل. فنون متنوعة ومن الفنون الشعبية التي تشهد انتشاار في إمارة أبوظبي فن «المالد»، وهو فن من فنون الإنشاد الديني الذي يُُعنى به في الاحتفال بالمولد النبوي، ومن ثم توس ََّع تقديم هذا الفن ليشمل مناسبات عدة، مثل: قدوم المولود، وقدوم شهر رمضان، والإيفاء بالنذروغيرها، كما أوضح مبارك العتيبة رئيس فرقة مبارك العتيبة للفنون الشعبية والتراثية التابعة لجمعية أبوظبي للفنون الشعبية والمسرح. ومن فنون الحرف اليدوية «السدو» وهي الح ِِرفة التي تميز حياة أهل البادية وثقافتهم، وتُُستخدم في حياكة الخيام والسجاد ورِِحال الإبل، وتعتمد على وبرالإبل وشعرالماعزوصوف الأغنام. وثمة حرفة «التلي»
أيضا التي تحيكها النساء بلف خيوط مختلفة وتضفيرها مع بعضها في جديلة تصنع شريطا طويلا رفيعا منسوجا وموش ََّى بتصميمات زخرفية جميلة ومطرزة، وتستخدم في تزيين الياقات وحواشي وأصفاد الملابس النسائية. وتعد ممارسة النساء لهذه الحرف إحدى المساهمات الاقتصادية القيّّمة التي تقدمها للمجتمع. ومن الفنون الشعبية «اليولة»، وهي فن أدائي يصاحب الرزفة والعيالة، ويُُؤدََّى بالإمساك بالسلاح أو العصا وتحريكها بحركات فنية. يشارك فيها جميع الأعمار للتعبير عن مشاركتهم صاحب المناسبة أفراحه، كما يوضح مبارك العتيبة. ومن الفنون الشعبية التي تقوم على الشعر؛ فن «العازي» الذي كان أهل الواحات المنتشرة في صحراء الإمارات معتادين على قرض شعره الذي يتميز بالصوت الجهوري القوي للشاعر الذي يصدح بأبيات الشعر، ويرددها
بالتمايل يمينا ويسا ار وقد نثرن شعورهن الجميلة. وفن العيالة مملوء بالرموز والدلالات؛ فالامتثال إلى أوامر القائد يرمز إلى الولاء والوفاء، ويرمز تشابك الراقصين إلى التلاحم الاجتماعي، وترمز السيوف إلى الجهوزية لمواجهة الأعداء، فيما ترمز مشاركة المرأة إلى تشابكها مع التلاحم الاجتماعي بوصفها شريكا فاعلا في الحياة الاجتماعية، ويرمز الش ّّعر الذي يتغنَّّى به الصفان إلى دور الكلمة في القتال كالسيف، وأن الشعر أحد مكونات البطولات العربية. الحربية وهي رقصة أهل البادية في المناطق الصحراوية، وتتشابه كثي ار مع رقصة «العيالة»، لكونها متفرعة عنها، فتُُؤدى أداء جماعيا لأنها تقوم على جملة لحنية واحدة موزونة، ويقف فيها الرجال في صفين متقابلين يقترب كل صف من الآخر بحركة إيقاعية بين الحين والآخر، وتقوم مجموعة تحمل البنادق والعصي بأداء حركات إيقاعية بين الصفين، كما تشارك «النعاشات» الرجال في أداء هذه الرقصة كما هي الحال في رقصة «العيالة». ولم يكن يصاحب رقصة «الحربية» إيقاع أو آلة موسيقية في الماضي. الرزفة فن أصيل يجمع بين الأداء والشعر، إذ يصطف فيه الرجال والصبية في صف ََّين متقابلين حاملين ع ِِصي الخيزران الرفيعة،
ويؤدونها في تناغم حركي ينسجم مع إيقاعات الطبول التي تُُعزف في الجوار، ويبدأ أداء الرزفة بمجموعة صغيرة من الأفراد سرعان ما يزداد عددها. ويتحرك الصفان في تراص جميل، ويتناوبان في إنشاد شطر من الشعر بينهما بالتبادل. وتخلق الرزفة جوا من التلاحم المجتمعي وشعوار بالانتماء والهوية المشتركة بين من يؤدونها. التغرودة وهو موروث ذو أصالة عربية، انتشر بين القبائل البدوية التي كانت تهتم بتربية الإبل في المنطقة الغربية ومدينة العين في إمارة أبوظبي، وغالبا ما يؤد ّّى شعر هذا الموروث على ظهور الجمال بلحن صوتي دون مصاحبة الآلات الموسيقية، وإنما يتم الاعتماد فيه على المبالغة في مد الحروف المتحركة لتشكل بنفسها نوعا من الإيقاع الصوتي الذي يُُحدث في أذن السامع تأثيار عميقا يطرب له ويتفاعل معه، فيسلّّيه خلال رحلته التي قد يجوب فيها الفيافي والصحارى. وتمتاز قصائد التغرودة بأنها قصيرة وذات موضوع واحد، وتقوم على وزن الرجز والبيت فيها شطر منه، ولجميع أبيات القصيدة قافية موحدة، وهو ما يكشف عن أصالتها وجذورها الممتدة إلى الأراجيز العربية القائمة على وزن مشطور الرجز، والتي عرفت عبر العصور العربية منذ الجاهلية، كما وصفها الباحث الدكتور راشد أحمد المزروعي، معتب ار أن العين هي أخصب منطقة في إبداع التغرودة.
75
74
2025 مايو 307 / العدد
الفنون الشعبية في أبوظبي.. تاريخ وثقافة وأسلوب حياة
Made with FlippingBook Digital Publishing Software