torath 307- May-2025

سوق الكتب

عكاظ للتحكيم فيها، علاوة على أن المجالس التي تضم وجهاء العرب وأشرافهم كانت تحثهم على التفاخر، وقد تخرج بهم المفاخرة إلى المُُنافََرة، مثلما حدث في مجالس النعمان بن المنذر. الحقول الدلالية وأبعاد الم ُُنافََرة وبحسب صفحات الكتاب، فإن أكثر الحقول الدلالية المستعملة في المُُنافََرات تتعلق بألفاظ المُُنافََرة والمجد والنسب وأسماء المُُتنافِِرين وقبائلهم، وأسماء الأماكن، وأفعال التفضيل، والألفاظ الدالة على الكثرة والزيادة، وذلك لأن الشعراء والخطباء والكهان يصف كل منهم من يناصره بأفضل الصفات، فينسبونه إلى المجد والعزة، وأهم هذه الصفات ما يتعلق بكرم النسب، فينسبونها إلى من يناصرون من الم ُُتناف ِِرين. أما الأساليب فكثرمنها أسلوب النفي والتوكيد في الشعر وفي حوار المُُتنافِِرين، فالمُُتنافِِر ومن يناصره يستخدم أسلوب التوكيد لإثبات الصفات الكريمة لنفسه، وينفي الصفات السيئة عنه، في حين يكثرأسلوب القسم عند الكهان لإضفاء القدسية على حكمهم وتأكيد صدق كلامهم، وقد يستشهد المُُتنافِِران أو من يناصرهم بأبيات من الشعر لتبيان موقفهم من المُُنافََرات، وقد تجري على ألسنة بعضهم أقوال تصبح فيما بعد أمثالا شهيرة. ، لمؤلفته كتاب «المنافرات في أدب قبل الإسلام» وي ُُبيّّن الدكتورة فاطمة، أن المُُنافََرة وسيلة للفصل بين المُُتنافِِرين في العصر الجاهلي، وهي تهدف إلى منع الشر بالتحكيم بين المُُتنافِِرين، وأنه لابد في المُُنافََرة من تحكيم، وإلا كانت مفاخرة في الحسب والنسب؛ إذ إن انتقال المفاخرة إلى مُُنافََرة لا يكون إلا بوجود التحكيم. وقد اضطلع الحكام من حكماء وكُُهان بالفصل بين المُُتنافِِرين لتنفير أحدهما على الآخر، أو المساواة بينهما عند التحكيم، أو الإصلاح بينهما. كما يُُبيّّن الكتاب - كذلك - أن المُُنافََرة ظاهرة اجتماعية، أساسها العصبية القبلية، ومما شجع على ذلك اهتمام العرب الشديد بالأنساب، وتذكّّرهم الدائم لمناقب القبائل ومآثرها ومفاخرها، إذ إن العامل الاجتماعي قد أثرفي تشجيع الم ُُنافرة ووقوعها وتعدد أسبابها، علاوة على العامل الاقتصادي

احتوى الكتاب الأول على أهم المُُتنافِِرين في الجاهلية والحكام العدول والمرتشين، فيما احتوى الكتاب الثاني على مُُنافََرة جرير بن عبد الله البجلي وخالد بن أرطاة الكلبي. وكتاب «المنمق في أخبار قريش»، الذي جمع م ُُناف ََرات قريش وذكر حكامها، وكتاب «الأغاني» لأبي فرج الأصفهاني، وكتاب «مجمع الأمثال» للميداني، الذي نقل قصص المُُنافََرات التي جاءت فيها أمثال على ألسنة المُُتنافِِرين أو الحكم أو المناصرين للمُُتنافِِر، ودواوين الشعراء ومنهم: الأعشى ميمون بن قيس، ولبيد بن ربيعة، والحطيئة، وحاتم الطائي. وقد أشارت المؤلفة إلى أن الباحث في المُُنافََرات يواجه مشكلة تكمن في ضياع كتب الم ُُنافََرات، ما جعل جمع ما بقي منها في الكتب المتفرقة أم ار غير يسير، لا سيما أن أخبار الم ُُناف ََرات جميعها لم تصلنا ولم يصلنا ظروف بعضها. ويدلنا الكتاب على أن المُُنافََرات أثّّرت في الأدب شع ار ونث ارًً، ولكننا لا نستطيع أن نجعل الم ُُناف ََرات صورة بدائية للهجاء؛ لأن المُُنافََرات تضمنت المدح وليس الهجاء فقط، وقد تستحيل بعض القصائد في الم ُُناف ََرات إلى مدح للم ُُتناف ِِر مع التعريض بخصم الم ُُتنافِِر مثلما وجدت مؤلفة الكتاب عند الحطيئة، وقد تستحيل أحيانا إلى هجاء مقذع عند الأعشى، ولا نستطيع أن نجعل المُُنافََرات من فن النقائض أيضاًً، لأن هذا الفن كان معروفا في الجاهلية إلى جانب المُُنافََرات علاوة على أن ًًا الشعراء لم يهتموا كثي ار بالرد على بعضهم، ولم يصنعوا شعر على البحرنفسه أو القافية ذاتها، إضافة إلى أن الم ُُناف ََرة تقوم على التحكيم اعتمادا على كرم النسب ما جعل للمُُنافََرات لغتها الخاصة وأساليبها المميزة. ويدلنا الكتاب - كذلك - على أن ثنائية المدح والهجاء تظهر وتبرز بقوة في الم ُُنافََرات في الشعر والنثر، فالشاعر أو الخطيب يمدح من يناصره من المُُتنافِِرين ناسبا إليه كل الصفات الحميدة، ويهجو خصم من يناصره، فيصفه بأقبح الصفات وأرذلها، وثنائية المدح والهجاء تبرز بقوة لدى شاعر مثل الأعشى، وتظهر بصورة غير مباشرة عند الحطيئة، وعند النابغة الذبياني وغيرهم. ويوضح الكتاب، كيف أن للمكان دوار مهما في الحث على التنافر، وليس أدل على ذلك من تسمية عكاظ بهذا الاسم؛ لكثرة ما حدث فيها من مفاخرات وم ُُنافََرات بين وجهاء القبائل وأشرافها من جهة، ووجود الحكام فيها من جهة أخرى؛ ولعل هذا قد دفع الم ُُتناف ِِرين في بعض الم ُُناف ََرات إلى اختيار سوق

الأشعار التي جاءت في دواوين الشعراء الذين شاركوا في المُُنافََرات، وختمت الملاحق بالخطب. ونتعرّّف من الكتاب على نشأة مصطلح «المُُنافََرات» وتطوّّره، حيث يتوقف عند المُُنافََرة لغة واصطلاحاًً، والفرق بينها وبين المفاخرة، والمعاقرة، والمساجلة، والمباهلة، والمناقرة. وأن الاشتقاق اللغوي للمُُنافََرة مأخوذ من مادة (نفر)، ويدل ًًا المعنى اللغوي على التفرق والتباعد، ونفرت الدابة نََفْْر ونََفََرََانا أي ش ََرََدََت. ونََفََر الج ِِلْْدُُ: وََرِِم وتجافي عن اللحم، والنفر دون العشرة من الرجال والجمع أنفار. هذا وقد اعتمدت الدكتورة فاطمة، في كتابها «المنافرات في أدب قبل الإسلام»، على مصادر عدة منها: كتاب «الديباج»، وكتاب «شرح نقائض جرير والفرزدق» لأبي عبيدة، حيث

بن علاثة وعامر بن الطفيل؛ لكثرة ما قيل فيها من رجز وقصيد، ومن نثر تضمن حوار المُُتنافِِرََين، ثم دراسة الآثار النثرية من حيث المضمون واللغة والتصوير والموسيقى. وفي الخاتمة قدمت مؤلفة كتاب «المنافرات في أدب قبل الإسلام»، نتائج دراستها للمُُنافََرات في مرحلة ما قبل الإسلام، ولخصت الخصائص الفنية العامة لأثر الم ُُناف ََرات في الأدب الجاهلي. وأرفقت نصوص الم ُُنافََرات التي عثرت عليها في ملاحق لتسهل على القارئ العودة إليها، خاصة أن تلك النصوص لم تُُجمع بعد، حيث تتناثر نصوص وأخبار الم ُُناف ََرات في كتب شتى. وقد رتبت المؤلفة أخبار الم ُُناف ََرات في الملاحق بحسب كثرة الروايات، مثل: مُُنافََرات قريش، ومُُنافََرة علقمة بن علاثة وعامر بن الطفيل، مع مراعاة ترتيب المصادر زمنيا ًً، ثم ذكرت

كاتب مصري

91

90

2025 مايو 307 / العدد

الم ُُناف ََرات في الأدب الجاهلي في منظور د. فاطمة حمد المزروعي

Made with FlippingBook Digital Publishing Software