تمثــل موطئ قدم له على ضفة المتوســط، ومنصــة لانطلاقه صوب أوروبا، وخاصة بعد الحملة الدولية ضد وجوده في سوريا والعراق. كما أن عين التنظيم ترنو صوب الأراضي التونسية وبالذات الولايات الجنوبية، حيث الفقر والحاجة. وكان العديد من العناصر المتطرفة ينشط في الفضاء التونسي وانتمى إلى تنظيم الدولة أو إلى تنظيمات لا تبعد بفكرها عنه. فكرا " يعــد تنظيــم الدولة واحدا من أشــرس وأعنف التنظيمات التــي حملت منحرفا، وسعت من خلال استراتيجية عنوانها الاستيلاء على الأرض والتمدد " جهاديا في محيطها حتى تحكم دولة الخلافة كل المجتمع البشري. ولا يخفى أن هذا استلهام بسيط وساذج لنموذج إقامة الدولة الإسلامية الأولى، التي انطلقت من المدينة المنورة. فمنطق إقامة الدول عند قيام النبي صلى الله عليه وســلم بتأســيس دولة في المدينة، كان يقتضي أن تحوز الدولة قاعدة جغرافية وبشرية صلبة يمكنها أن تتمدد عن طريق الدعوة والفتح، وهو ما تحقق فعلا. ولم تكن الدولة الإسلامية حينها بدعا في ذلك؛ فهو منطق النظم الإمبراطورية التي كانت سائدة ذاك العصر. ولكن إدارة تنظيم الدولة فشلت في هذا لأنها لم تفهم معنى القاعدة الجغرافية البشرية، ولم تستوعب التغيرات التي طرأت على منطق إقامة الدول وتغير المبادئ التي تقوم عليها في العصر الحديث، وإنما حاولت محاكاة الشكل دون الجوهر. ومن الأسباب المحورية كون دعوة النبي صلى الله عليه وسلم قامت على الرفق والعدل، وتأليف الناس، في حين قامت دولة التنظيم على الوحشية والغدر، والتنكيل بالمخالفين. يطبق التنظيم رؤيته وفق ما جاء في كتاب (إدارة التوحش) للمؤلف أبوبكر ناجي من خلال ثلاث مراحل؛ مرحلة الإرباك ومرحلة التوحش ثم مرحلة التمكين. وجد التنظيم، إذن، في الساحة الليبية مساحة مناسبة لنشاطه وتمدده. ليبيا تشهد اضطرابات أمنية وحالة من غياب الدولة وتصارع شرعيتين على السلطة، لكن التنظيم لم يدرك أن ليبيا ستشــكل تحديا وهدفا صعبا بالنســبة إلى فلســفته، بسبب تجانسها المذهبي؛ فالتنظيم دأب على استغلال الورقة المذهبية والخلافات الطائفية والانقسام الاجتماعي في المناطق التي يوجد فيها بقوة في العراق وسوريا. من الناحية الاستراتيجية نشط التنظيم في ليبيا وفق استراتيجيه تعتمد البحث عن المناطق الجغرافية التي تنشط بها شبكات الهجرة غير الشرعية بما يضمن إمداد صفوفه بالمقاتلين العابرين للجغرافيا.
11
Made with FlippingBook Online newsletter