صعود وسقوط تنظيم الدولة في سرت

تخوض فيها قوات ليبية بهذا الحجم حربا ضد تنظيم الدولة، في مكان يعد أكبر تجمع للتنظيم في ليبيا. إن تجربة قتال التنظيم في مدينة درنة، التي شهدت دحر قوات التنظيم على أيدي مقاتلي مجلس شورى مجاهدي درنة وضواحيها، كانت مختلفة جذريا عن العملية في ســرت، فلم تكن القوات التي تقاتل التنظيم قوات نظامية تخضع لسلســة أوامر عســكرية تراتبية، وإنما كانت لفيفا من المقاتلين المنخرطين طوعيا في كتائب أهلية اندفعت لمحاربة التنظيم، بعد أن ضاق أهل المدينة به ذرعا. وكانت القوات في درنــة على نفس الأرض مع التنظيم؛ فهي قوات منبثقة من المدينة، وتعرف مداخلها، ومخارجهــا، وكانــت تزاحم قوات التنظيم في بعض مناطقه، وكان مكشــوفا لعيونها بشــكل مجرد. كما كان الأهالي عونا لها على التنظيم، وهي التي خرجت لتحريرهم من قبضته بعد أن ضاقوا ذرعا بممارساته غير الإنسانية. وفــي كل هــذا تقريبا تختلف قوات البنيان؛ فهــي قادمة من خارج المدينة، ولا تمتلك الكثير من المعلومات الدقيقة عن العدو في داخل أســوار المدينة، وهو عدو شــرس تترس بالمدينة منذ سنة تقريبا، وأصبحت سيطرته عليها مكتملة الأركان. كما أنه لا يواجه مقاومة داخلية من ســكان المدينة تعزز قوة القوات المهاجمة، أو تجعله يتخوف انفراط عقده من الداخل؛ فقد عملت سياســته المرعبة على إســكات سكان المدينــة بعــد أن صلب وذبح كل من تخوف منه أدنى معارضة، على مرأى ومســمع من الناس. ومنها ضخامة الرقعة الجغرافية التي يتم عليها الهجوم؛ فقد كانت قوات البنيان هلالا " المرصــوص تزحف من عدة محاور تغطي منطقة ذات قطر واســع، وتضرب على مدينة ســرت من ثلاث جهات. ومن مســافات متفاوتة البعد تبلغ في " حديديا بعض الجهات عشــرات الكيلومترات. إن حجم هذا الانتشــار البشري لقوات البنيان المرصــوص يجعل أي طلقة عشــوائية، لصاروخ أو قذيفــة، وأي هجوم مباغت في أي منطقة من هذا الهلال البشــري، قادرة على إســقاط الشــهداء والجرحى، ومحدثة خســائر في الأرواح. لقد كانت لهذا الانتشــار فوائد جمة تناولنا جزءا منها ســابقا؛ منها إحكام الحصار، وحصر العدو في منطقة جغرافية محدودة ســبيلا للقضاء عليه، ومنع الحركات الالتفافية التي قد يلجأ إليها مقاتلو التنظيم وقطع خطوط الإمداد عن المقاتلين داخل المدينة، ولكن لها مع ذلك أضرارا جسيمة منها أنها تفرض لا مركزية قياديــة يصعب معها التحكم الدقيق في التحــركات، وتوجيه الأوامر الدقيقة، وضبط

162

Made with FlippingBook Online newsletter