| 102
- أفضل استعمال للذاكرة هو خدمتها واالهتمام بها، وبخاصة في مواجهة النسيان بمختلف أشــكاله، وبخاصة النســيان التعســفي الذي يأخذ أشــكااًل مؤسساتية متمثلة في العفو والعفو الشــامل، حيث يتم تجاوز النســيان، ويمكن أن يتحول إلى موضوع للمتابعة القضائية. وبال شك، فإنه أمام النزاعات السياسية العنيفة ال تملك البشــرية إال سياسة العفو، ألنها السياسة الوحيدة التي يمكن أن تحقق ما يســميه بهدوء الذاكرة، مستشهدًا في هذا السياق بالديانات السماوية التي تُجمع على الرحمة. وتفادًيًا لجر الظواهر المرتبطة بالذاكرة إلى الطريق المســدود، اختار أن يطرح سؤال ماذا؟ قبل ســؤال َم َْنْ؟ فســؤال ماذا يشير إلى ماذا نتذكر وما هو تمثلنا عن الماضي ووعينا به، بينما سؤال من يشير إلى إرجاع فعل التذكر إلى أحٍد ما سواء كان بصيغة المتكلم (أنا أو نحن) أو صيغة المخاطب أو الغائب، فالذاكرة هي عالقة اإلنســان بالماضي الذي يمثل زمًنًا لم يعد موجوًدًا ولكنه كان، وتمثل هذا الماضي. كما يعالج ريكور الذاكرة في عالقتها بالتاريخ والنسيان؛ حيث قال: إن الذاكرة تحفظ الماضي، والتاريخ يحفظ أحداث الماضي، والنسيان يقول لنا أي ذاكرة تستحق أن نحتفل بها وأي ذاكرة يجب علينا أن نتركها تذهب بسالم ليلفها النسيان. ويشترط ريكور كذلك اآلخر حتى نكون أمام ذاكرة، فهي ال تعود لفرد واحد، فهناك ذكريات مشتركة يعيشها الفــرد مع اآلخرين. فكل مجموعة تشــترك في ذكريــات تتداخل فيما بينها. فمصير الذاكرة هي أال تبقى خاصة بواحد فقط، والذاكرة هي التي تقودنا إلى التاريخ، وهي التي تحفظه وهي الحاملة للتاريخ ولوالها لما كان هناك من علم يهتم بكتابة التاريخ. فالذاكرة هي المورد الوحيد الذي يتيح اإلحالة إلى الماضي. ويستشــهد على ذلك من التراث اليوناني من أفالطون وأرسطو، فالذاكرة عند األخير زمان وعند أفالطون ). ويميز ريكور كذلك بين الخيال والذاكرة وإن 17 هي التمثل الحاضر لشيء غائب( كان لهما سمة مشتركة هي حضور الغائب، فالخيال وهم قصصي غير حقيقي، لكن الذاكرة هي الحقيقة السابقة وهي التي تضفي الحقيقة على ما جرى في الماضي. ويميــز بول ريكور بين الذاكرة الجســدية وذاكرة األماكــن، فاألولى مليئة بذكريات مطبوعة بدرجات مختلفة من التباعد الزمني، فلحظة االســتذكار تكون عندها لحظة التحقق، وهنا يمكن أن يتجاوز كل المستويات من إعادة التذكر المضمرة إلى الذاكرة
Made with FlippingBook Online newsletter