العدد 23– أغسطس/آب 2024

| 220

في البداية، قدم المراســل وائل الدحدوح شــهادته مبيًنًا أن الشــهادة في مثل هذه الظــروف عــادًة ما تكون صعبــة، محفوفة بكثير من األلم والمــرارة؛ ألن الصحفي ا من الخبر. ا من القصة، وجزًءًا أصياًل الفلسطيني في هذه المرة أصبح جزًءًا أصياًل ال نريد -نحن الصحافيين الفلســطينيين- في قطاع غزة وغيرنا ســوى تسليط الضوء على ما يجري، أو جزء مما يجري؛ ألن ما يجري حدث مزلزل فارق واستثنائي وكبير ولم نعشه من قبل، وحتى آباؤنا وأجدادنا أخبرونا أنهم لم يعيشوا لحظة تاريخية بهذه الحساسية وهذه الخطورة، ونحن نقوم بما تكفله القوانين الدولية، ولكن مع األسف ندفع هذه األثمان الباهظة. في كل مرة، الصحافي في قطاع غزة كان مسكوًنًا بالخوف على نفسه؛ ألنه معرض لالســتهداف فــي أي لحظة، لكن األخطار في هــذه الحرب والهواجس والكوابيس مختلفة عن كل الحروب الســابقة؛ فكل صحفي يشــعر بأنه يقوم بالتغطية من عين الموت، هذا شــعور لم يســكَّنَا من قبل، وأنا قمت وكثير من زمالئي بتغطية جميع الحروب وعمليات التصعيد والحصار وجميع العمليات العســكرية على قطاع غزة، ولم نشــعر قط بمثل هذا الشــعور الذي كان يســكننا ويخيم علينا في كل لحظة من لحظات هذه الحرب على قطاع غزة. فهذه المرة أرادت قوات االحتالل االسرائيلي أن تكــون مختلفــة عن كل ما كان من قبل من حيث األلم والمرارة والوجع والثمن الذي يدفعه الصحفي الفلسطيني في قطاع غزة، فأرادت أن تبدأ بإيالمه نفسًّيًا وإيالم روحه ومعنوياته وإرادته من خالل استهداف األسر كما جرى لي ولزمالء آخرين في قطاع غزة. لقد كان هذا أسلوًبًا مستحدًثًا، أكثر وجًعًا من استهدافنا نحن، وعلى كل حــال هذا األلم وهذه المــرارة وهذا الوجع لم يف َّت في عضدنا ولم يمس عزيمتنا؛ ألننــا أدركنا منذ األول أن هــذه اللحظة فارقة ومختلفة، وأن دورنا فيها أي ًضًا يجب أن يكون فارًقًا ومختلًفًا ومميًزًا عن كل األدوار السابقة، وأن يرتقي العمل الصحفي، خصو ًصًا الفلسطيني، عن كل األدوار السابقة، وهذا ما حاولنا أن نقوم به. لكن قوات االحتالل اإلسرائيلي لم تتوقف عند هذا الحد، واالستهدافات اإلسرائيلية هذه المرة كانت شــاملة وعامة ولم تترك أي شــيء إال اســتهدفته، وأعلى درجات االستهداف القتل، ولكن أي ًضًا تدمير المؤسسة.

Made with FlippingBook Online newsletter