| 102
مقدمة لا يمكــن اعتبار الجدل بشــأن الحجــاب في إيران موضوعًا جديــدًا أو طارئًا، بل يمكن إرجاعه إلى أربعة عقود سابقة على الثورة الدستورية التي شهدتها إيران مطلع القرن العشــرين، لكنه في العقود الأخيرة تحوّل بفعل عدد من العوامل -من أهمها السياســات الحكومية والتغيير الاجتماعي- إلى موضوع يحوز على مســاحة واسعة من النقاش الديني والسياسي والاجتماعي والثقافي في البلاد. وبينما صار الحجاب بحكم القانون رمزًا سياسيّا، متجاوزًا مساحته العبادية والفقهية، بات خلعه في الأماكن العامة شكً احتجاجيّا ربما يتجاوز موضوع الحجاب ليطال مسائل أخرى. ولعــل مســألة الإجبار أو الإلزام بخلعه أو ارتدائه كانــت المحور الأبرز في مقاربة هذه القضية من قِبَل الســلطة الحاكمة، ســواء في الفترة البهلوية الأولى والثانية حين أُرْغِمَت النســاء على خلع الحجاب، أو في عهد الجمهورية الإســ مية حيث تُجْبَر النساء بحكم القانون على ارتدائه. وتتصادم وجهات النظر بين من يدافع عن السياسات الحكومية بشأن الحجاب ويرى ، ويتصدى لبيان " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " فيها بعدًا دينيّا ملزمًا من باب وجاهــة جعل الحجاب إلزاميّا بحكم القانــون، وبين من يدافع عن الحقوق الفردية ويقول بالبعد الشخصي للمسألة، وأنه ليس للدولة أن تجبر الناس على ذلك. وهناك طــرف ثالــث يقول بأهمية الحجاب، لكنه يُوجّه نقــدًا لاذعًا للإجراءات الحكومية، ويــرى أنها أضرت ليــس فقط بالرغبة في الحجاب والاقتناع بــه، بل أيضًا بصورة الإسلام ومكانته عند المجتمع الإيراني بصورة عامة. . منطلقات منهجية 1 أ- مشكلة البحث تبحــث الدراســة في إشــكالية الحجاب في إيران، إذ لم تعــد مجرد مبحث فقهي، بــل أصبحت موضوعًا محوريّا في الصراع السياســي والاجتماعــي والثقافي الدائر في البلاد، وفي ارتباط الحجاب بهوية المجتمع وملامح النســاء فيه. من هنا، تُمثّل عودة الجدل بشأن الحجاب في سياق إيراني متوتر -سواء في علاقاته الخارجية أو الداخلية- علامةً ذات دلالة في متابعة التطور الاجتماعي السياسي في الوعي الشعبي الإيراني، تستحق البحث والتقصي العلمي.
Made with FlippingBook Online newsletter