| 214
ذات النزعة " لوموند ديبلوماتيك " اللغات والحضارات الشرقية، وآخرون من محرري " أوريون " اليسارية المناهضة لسياسات الهيمنة والنيوليبرالية، وبعضهم من أسرة موقع (الشــرق) الذي يُدِيره آلان غريش. كان الرهان على القرب واضحًا أيضًا من خلال استكتاب باحثين ينحدرون من المنطقة (لبنان، وتركيا، وأفغانستان...). والواقع أن منطقة الشــرق الأوســط احتلّت دائمًا موقعًا مميزًا في دائرة الاهتمامات الأكاديمية بالحقل المعرفي الفرنســي، من مقتربــات مختلفة تاريخية وأنثروبولوجية وأدبية واستراتيجية وغيرها. ولعل هذا الاهتمام جزء من تقليد موصول تبلور بالتزامن مع الحملات الاستعمارية لفرنسا بالمنطقة وما ارتبط بها من صلات ذات طابع ديني واقتصادي وسياســي. فالشــرق الأوســط تبلور في العقل السياسي الفرنسي وجودًا مســيحيّا يتطلب الحماية ومصالح اقتصادية ينبغي رعايتها، ونخبًا تابعة يتعيّن ضمان مجال " اســتمرار ولائها، ومجال إشــعاع ثقافي فرانكفوني يقتضي تَثْمِينَه دفاعًا عن في زمن احتدام التنافس الدولي بين النماذج الحضارية والتنموية. " محفوظ والكتاب الذي نقوم بمراجعته يتوزّع على ثلاثة محاور كبرى، ويُسْتَهَلّ بورقة تقديمية تحليلية عامة. ويركز المحور الأول على الجذور التاريخية التي تصنع الواقع السياسي والاســتراتيجي المعقد اليوم، من تعاقب الإمبراطوريــات القديمة وتمركز الديانات التوحيدية الثلاثة إلى تداعيات الحملات الاستعمارية واللحظة المفصلية لزرع الكيان الإسرائيلي وديناميات تشكيل المجتمعات السياسية القومية. وحيث تبدو هذه العناصر في تطورها التاريخي المقارن مضيئة لجانب مهم من الإشكاليات والرهانات القائمة، فإن المحور الثاني ينكبّ على مقاربة حركة الفاعلين في الســاحة شــرق الأوسطية؛ حيث ترســم الدراســات صورة مشهد انقسامي حاد الاســتقطاب تتواتر فيه أسباب التنافس والصراع المتجددة وتتقاطع فيه مطامح الهيمنة إقليميّا ودوليّا. وســيرًا على منطــق تحليلــي ينطلق من العام إلى الخاص، ينفتح المحور الثالث على دراســات حالة تُولِي اهتمامًا مركزًا لقضايا محددة وفاعلين ومجالات استراتيجية بعينها داخل
الخريطة شرق الأوسطية المركّبة. . جذور الانقسام وبذور الصراع 1
في المحور الأول، يُقدّم الكتاب قراءة في الدينامية التي فجّرتها الصدمة الاستعمارية بعد تفكّك الإمبراطورية العثمانية على مستوى تَشَكّل نخب حاملة لِهَمّ الإصلاح سواء
Made with FlippingBook Online newsletter