| 248
خاتمة دائمًا تُثار مسألة التحول الديمقراطي والانتقال السلمي للسلطة في المجتمعات الإثنية الإفريقية، لاسيما تلك التي عانت من بطش الديكتاتوريات وجور الأنظمة المستبدة، ويبــدو حاضر إثيوبيا مرتبطًا بماضيها المشــبع بالصــراع؛ فبعد مرور نصف قرن من الزمن يتداعى جدار إثيوبيا نتيجة الاضطرابات الداخلية والنزاعات التي تهدد استقرار إثيوبيا الأمني والاقتصادي والسياســي. وعقب الاحتجاجات الشــعبية التي انطلقت في أديس أبابا وجوارها، وخاصة إقليمي الأمهرا والأورومو، لا يزال المشــهد ذاته يمكن أن يفرض نفسه في المرحلة المقبلة، فضلً عن تداعيات وأبعاد الحرب التي أزاحت نفوذ جبهة تيغراي. كما أن تراكمات أزمات إقليمية مثل سد النهضة والخلف الحدودي مع السودان، ناهيك عن الصراعات الداخلية بين القوميات، والتي تجددت في الفترة الأخيرة، خاصة بين الأمهرا والعفر، كل هذه المعطيات الراهنة تجعل إثيوبيا تتجه نحو مفترق طرق عدة. كانت 1974 وخلل الأزمات السياسية والأمنية الداخلية التي مرّت بها إثيوبيا منذ عام واشنطن حاضرة خلف الكواليس، ويُعوّل على دورها حاليًا للَجْم الفوضى السياسية بين القوى والتيارات السياســية والقوميات الإثيوبيــة، فالولايات المتحدة الأميركية كانت بمنزلة المنقذ والحليف الاستراتيجي لإثيوبيا، لكن التحولات والتغيرات التي شهدها القرن الإفريقي منذ سنوات، بسبب حضور لاعبين دوليين كبار، مثل الصين وفرنسا، جعلت إثيوبيا تترنّح بين مصالح حليفها التقليدي، وبين اهتمامات اللعبين الدوليين، ومنهم لاعبون جدد، مثل تركيا وروسيا. لذلك، فإن غياب سياسات داخلية مستقرة في إثيوبيا قد ينذر بتكرار أزماتها القديمة، وظهور أخرى ليست أقل ضراوة عن سابقاتها. إن مستقبل الحوكمة الديمقراطية بدل الإثنية الفيدرالية، وفق رؤية وفلسفة آبي أحمد، مرهون بحجم تبعات المخاطر التي تحيط بها، وبمدى إدراك رئيس الحكومة الإثيوبية سياسات أكثر " الرجل القوي " لحجم هذه المخاطر الأمنية والسياسية، فإذا لم ينتهج انفتاحًــا ولم يُجر حوارًا جديدًا مع أقطــاب المعارضة والقوميات، لفرض مصالحة حقيقية بين شعوب وقوميات إثيوبيا، فإن ارتدادات داخلية ستكون بديلً للستقرار، ما ينعكس سلبًا على السياسات الإثيوبية الخارجية ويهدد نسقها الاجتماعي، واقتصادها الذي تُعوّل عليه حاليًا لنهضتها من جديد.
Made with FlippingBook Online newsletter