حجر الأرض: صراع الغزاة والحماة في أفغانستان

هــذه المناطق جيدًا ويعرف كل الطرق االلتفافية فيها. كان يلبس مالبس عادية وال يستطيع أحد تمييزَه عن أي أفغاني عادي ال عالقة له بمقاومة األمريكيين. تمتد الحقول أمام ناظريه المتعَبَيْن وهو يفكر: هل ســيدرك دفن صديقه؟ تذكر طفولتهما ولعبهما معا، وتذكر ابتســامته في لحظات االشتباك مع العدو. دقيقة من الســير وصل قريتــه. كان أول ما لمح جماعة 55 بعــد من الرجال راجعين من جهة المقبرة. انتابته حسرة فوات دفن صديقه. سلم سريعا على الرجال الحَزانى وخالفهم إلى المقبرة الواقعة في سفح جبل جميل. مشــى خطوات ثم دخل المقبرة وتوجه ألحدث قبر فيها ووقف عليه. تحــت هذا الثرى يرقد صديقي! أدار وجهــه إلى الجبال المحيطة والقريــة الوادعة والقبور الجاثمة. شــعر بأن الزمن توقف. كيف يتحول إنسان كان مليئا بالمشاعر والرغبات والطموحات ومحاوالت تغيير العالم إلى جثة هامدة تحت األرض؟! جلس عند رأس القبر وبدأ يبكي، كان يبكي بحرقة وأســى، وازداد شــعوره باألســى ألنه يبكي؛ فهل يليق بالفارس أن يبكي؟ أليس البكاء للنساء الجالسات في البيوت بعيدا عن ساحات الوغى؟ هل يليق بمقاتل دولة أن يبكي لفقدان رفيقه أو خاله؟ 54 أفغاني يصارع لكن الدموع كانت تنثال كلما حاول كفكفتها. مد يدا مرتعشة وقبض قبضة من ثرى قبر صديقه، ثم قال: قتلك األمريكيون بين ديار أهلك! هل يظنون أنهم كلما قتلوا شخصا ربحوا شبرا من أرضنا؟! هذه األرض التي تــكاد وديانها ووهادها وتالعها تفيض بدم الغزاة. هذه األرض التي كان

101

Made with FlippingBook Online newsletter