عليها الصوفي الفارس أبو القاســم القشــيري، والسلطان الفاتح محمود الغزنوي. إذا كانوا يظنون أنهم سيقتلعون ديننا وثقافتنا؛ فعليهم أن يعلموا أن اقتالع هذه الجبال الشمَّاء أسهل من ذلك. مــرت ســاعة وهو جالس ال يتحرك. ال تســمع أذنــاه إال حفيف األشجار وأصواتا متقطعة آتية من جهة القرية. رفع بصره في األفق فمرت صقــور فــي الهواء فأتبعها طرفَه، رمقها وهي تبتعد متوارية خلف الغمام المنساب بين الجبال. إلى متى أنا جالس هنا؟ نفــض طرف ثوبه ووقف. انحدر مع الربوة متجها إلى القرية. هذا صديق روحي وابن خالي ورفيق جهادي قتله األمريكيون، وذاك أبي قتله الفرنسيون قبل؛ فلماذا يأتون إلى قرانا ليقتلونا؟ تســارعت خطاه وهو يرى نســاء قريته مجتمعات في أحد البيوت الواقعة شرقي القرية. ابتعد عن البيت حتى ال يُرى آثار الدموع في عينيه. فمتى كان الفارس يبكي؟ أســرع منحدرا مع الطريق المغبر الذي يشــق البيــوت الطينية للقرية، وهو يتذكر بيتا كان أحد قادته الميدانيين يُترجمه له من العربية دوماً: مَعــاذ اإلله أن تنوح نســاؤُنا على هالكٍ.. أو أن نَضِج من القتلِ! شخصت ابتسامة صديقه في خياله فاعترتْه قشعريرة وهو يعض شفته السفلى مفكرا في أول لقاء سيجمعه مع األمريكيين. تذكر خاله الذي لم توجد جثته بعد. هل أسره األمريكيون؟ وهل علم بمقتل ابنه؟ ترى أين هو اآلن؟ توســط القرية محاوال أال يلتفت يمينا وال يسارا حتى ال يرى أحد عينيه بوضوح.
102
Made with FlippingBook Online newsletter