حجر الأرض: صراع الغزاة والحماة في أفغانستان

يقاتل ليتســلم راتبا فإن من الحمق أن يقاتل باســتماتة حتى ال يُقتل قبل قبض راتبه. أحس نفســه فــي ملحمة كونية كبرى. شــعر بكونــه مجاهدا من ماليين المقاتلين الذين يســيرون على خُطــى خالد بن الوليد وقُتيبة بن مســلم ومحمد بن القاســم والمال عمر. مأل صدره بالرياح ورفع طرفه إلى الســماء وهو يشعر بنشوة وانشــراح. تذكر صبيحة مقتل والده على أيدي الفرنســيين بمنطقة تَغابْ. ثــم اختفت صورة والده وحلت محلها صورة أمه، تلك المرأة البشــتونية الصلبة التي تســتقبل المصائب بقلب جَلْــد وروح وثابــة، تلك األم التي تنظر إلى المــوت في الميدان نظرة الفرســان إليه، ال نظرة المرأة العادية الخائفة. كيف ال؟ وقد تعلمت من جدتهــا أن الرجــل يقبح به أن يموت تخمة، ويحســن به أن يموت في ميادين القراع والنزال. فرأى أربع سيارات مليئة بالمقاتلين ذوي الشعور 15 وصل الدوار المنسدلة والعمائم الطويلة. كانت وجوههم مرهَقة وشفاههم ذاوية، لكن 18 عيونهم طافحة بالبِشر والحياة والتوثب. شباب تتراوح أعمارهم بين عامــا. وُلد معظمهم بعد دخول القوات األمريكية إلى أفغانســتان، 22 و وولد بعضهم قبيل دخولها بعام أو عامين. قال في نفسه: إذا كان الجيل الذي ربته الواليات المتحدة هو الذي يقوم بطردها اليوم؛ فما الذي جنته تلك القوة الكافرة الغاشمة؟ نــزل عــن دراجته وترجَّل قاصدا الرجــل ذا اللحية الكثّة والعمامة البيضاء الطويلة، المتشــح ببندقية كالشنكوف. تحادثا سريعا ثم عاد إلى دراجته وبدأ يقود الموكب. كانت وراءه عشــر سيارات محملة بالرجال المسلحين؛ يتوشّح معظمهم األسلحة الخفيفة وقاذفات اآلر بي جي.

105

Made with FlippingBook Online newsletter