حجر الأرض: صراع الغزاة والحماة في أفغانستان

ثــم رأى محمد أعظم مقاتلي طالبان يجلســون على األرائك ذاتها التي كان يجلس عليها األمريكيون وأشرف غني لينسقوا قتل والده وابن خاله. ثم ظهر على الشاشة شاب أبيض ملتح معتمّ. وضع سالحه أمامه وبدأ يقرأ سورة النصر: ﴿إِذَا جَاء نَصْر اللَّه وَالْفَتْح وَرَأَيْت النَّاس يَدْخُلُون فِي دِين اللَّه أَفْوَاجًا فَسَبِّح بِحَمْد رَبِّك وَاسْتَغْفِرْه إِنَّه كَان تَوَّابًا﴾. وارتفــع التكبير من أطراف القاعة. تجمدت عيناه الســوداوان على شاشة التلفاز، وسكنت يده في الهواء ممسكة بكوب الشاي. لم تعد يده للطاولــة وال ارتفعــت جهة فمه. مر نحو دقيقــة. أفاق وتلفت في حنايا المقهــى فالحــظ األوجه الحيرى، ولمح رجال خمســينيا حاد المالمح يتأملــه. أرجع الكوب للطاولة وبدأ يتفرس األوجه المختلفة التي تحيط به. وجوه تتراقص طربا بالحدث المتكشف على الشاشة، وأخرى صامتة صمت المفاجأة واألسى. ثم أحس بإبهام يده ترتجف، وبخدر في ركبتيْه، مع رغبة عارمة في االحتفــال ومعانقة المنتصرين. وقف دفعة واحدة حتى اصطدمت ركبته بطــرف الطاولة. أخذ أربعمائة «أفغانــي» ووضعها على الطاولة وخرج، ثالثمائة للوجبة والشــاي، والبقية بقشيش انتصار المجاهدين. خرج من باب المطعم فنفحته نســمات أغســطس/آب.. وسمع من بعيد أصوات إطالق الرصاص احتفاء بفتح كابل. اعتدل على دراجته التي بدأت تطوي الطريق طيا وهو يستعيد الصور ، يــوم كان في عامه الرابع. 2001 األولــى مــن حياته. كان ذلك أواخر سمع والدَه وأمه يومها يتحدثان -همسا وخِيفةً- عن القصف الذي بدأته الواليات المتحدة على كل شبر من أرض أفغانستان. يوم كان ال يمر يوم

107

Made with FlippingBook Online newsletter