فقد تربى في مديرية تَغابْ، بمحافظة كبيســة شرقي أفغانستان. نشأ فــي هذه المديرية التي لم تنجح الواليــات المتحدة في إخضاعها قط. قال لي وهو يضم سبابته إلى إبهامه رافعا يده في الهواء: «كانت أمريكا كلما دخلت تغاب وسيطرت عليها أُخرجت منها في األيام التالية، وهكذا دواليك عشرين عاما». كان والده ســابع ســبعة بدؤوا مقاومة األمريكيين بالمنطقة؛ «كنت صغيــرا حينها، لكني كنــت أرى والدي يجمع الرجــال ويكلم العلماء ويقنعهــم بوجــوب القتال. كان مصرا على أنه يجــب إخراج الغزاة من أرض اإلسالم، ال محيص عن ذلك»! الحظت -منذ الدقائق األولى من حديثي مع محمد- إعجابه بوالده؛ فإذا تحدث عن مواقفه لمعت عيناه وازدادتا اتســاعا وبريقا، وبدأ يعبث بالخاتم ذي الفص األخضر في بنصره اليسرى؛ «كان والدي طبيبا بيطريا، لكنه لم ينشــغل بعالج الحيوانات.. بل بعالج النفوس البشرية، وجراح المجتمع! لم يرتح يوما واحدا منذ أفقت. إما أن يعمل ليطعمنا أو يخرج لينصح الناس بالمقاومة، أو يحمل السالح ضد المحتل. ذلك دأبه الدهر كله إلى أن قتله الفرنسيون لعنهم الله»! كنــت مندفعا أكتب على المحمــول كل كلمة يتفوه بها محمد، ثم رفعت يدي وحدقت فيه: - الفرنسيون؟ مــال إلى الوراء قليال وابتســم ابتســامة حزينــة: «كان األمريكيون قــد ملوا من محاوالت إخضاع تغابْ؛ إذ كانوا ال يســتطيعون المكوث فيهــا أبــدا، فكلما اســتقروا فيهــا هاجمتهــم المقاومــة، وإذا خرجوا
122
Made with FlippingBook Online newsletter