كنا عائدين من نقطة مرتفعة مطلة على المطار، حيث أجريت عدة إطــ الت على قنــاة الجزيرة. فمنذ بدأ التهديد الوشــيك للمطار تركنا الوقوف أمام البوابات وبحثنا عن نقاط بديلة يمكن الظهور منها والمطار خلفنا، دون أن نكون وســط الزحام عند بواباته. تجاوزنا البوابة الشرقية فخف الزحام وانطلقنا جهة المكتب. ما إن تجاوزنا المطار بربع ســاعة حتــى دوّى االنفجار! لقد وقع انفجار هائل في البوابة التي مررنا أمامها قبل قليل، حيث جاء انتحاري وتقدم حتى وصل إلى الجنود األمريكيين، لكنهم ما إن بدؤوا تفتيشه حتى سحب الحزام الناسف وانفجر. جنديا أمريكيا وهم يحزمون حقائبهم للرحيل! وقُتل أكثر 18 سقط من مائة أفغاني من المساكين المتجمهرين أمام البوابة. وقع هذا مع أنه لم يبق لألمريكيين إال عشرات الساعات في البالد. أعلنت الواليات المتحدة أن الواقــف وراء الضربة هو تنظيم «داعش». ذلك التنظيم العبثي المتهم بجذوره االستخباراتية دوما. وبغض النظر عن بؤس الواقفين وراء التفجير وعبثيتهم؛ فإن االنفجار يُذكّر بعادة قديمة لألفغان في تشــييع المحتلين، فكأنهم دوما يحرصون على صفعة الوداع. دارت تلك األفكار في ذهني وأنا أسارع إلى المكتب شاعرا بإرهاق طاغ بســبب السترة الواقية التي ارتديتها ساعات. دخلت المكتب الواقع بمنطقــة الوزير أكبر خان فخلعت الســترة وخرجــت إلى فناء المكتب، حيث شــجيرات ونباتات وفضاء مفتوح. جلست فنفحتني أنسام المساء وأنا أرفع ناظري إلى الظالم الزاحف على هذه المدينة التي ارتبط اسمها باسم الغزاة والمقاومة وصراع القُوى. جلست مسترخيا متأمال الجبال الجامحة في األفق. هنا في أطراف هذه المدينة وجَّه األفغان صفعة أخرى للمحتلين قبل ما يقارب القرنين؛
133
Made with FlippingBook Online newsletter