عاطلون فُتحت لهم فرصة ال تتكرر للهروب، وعيون تجسُّس للغزاة غادر أســيادُهم فجأة وتركوهم أيتاما في مدن يديرها مســلحو طالبان. شبرا.. شــبرا.. خرجنا؛ دفعا بين األكوام البشرية المتعبة، وروائح مكان تكدس فيه اآلالف أياما دون تنظيف. التفت أحد الزمالء وقال: هذه الرائحة تذكرني بليالي منى ومزدلفة! حزّت في نفســي عبارة زميلي؛ وتمنيت لو أن اللحظة مناســبة ألحدثه بالتفصيل عن ليالي منى قديما. فقد كانت ليالي منى في التاريخ اإلسالمي ليالي إمتاع وجَمال وعطور، وكانت من أكثر الليالي التي يبكيها الشعراء لجمالها وروعة مظاهرها. والشــعر العربي شاهد على ذلك خاصة شعر ابــن أبي ربيعة. ومن األمثلة الشــعرية المعبرة عــن رائحة المكان قول ْالنميري الثقفي: تضوَّع مسكا بطن نَعمان أن مشت ًبيه زينب في نسوة عطِراتِ! تهادَيْن ما بين المُحَصَّب من منى وأقبلن ال شُعثا وال غبِراتِ! لكني أعرضت عن كل ذلك. فقد كان أحد الزمالء مشغوال بمحاولة التواصل مع زميلنا حميد الله شاه المسؤول عن مكتب الجزيرة في كابل ليأتي ألخذنا، لكن ذلك بدا مســتحيال خالل الساعات الماضية؛ فإشارة الهاتف ضعيفة جدا بسبب التشويش المتعمد أمريكيا. وبعد جهود وتنسيق رمينا حقائبنا الكثيرة عند البوابة ووقفنا ننتظر في الداخل. شــعرت بتعب من الوقوف فحاولت التراجع ألســتند إلى الحائط، فصرخ جندي أمريكي مســتلق قرب قدمــي تحت الحائط. أدرت عيني فالحظــت أن الجنود المنهكين موجودون في كل زاوية، نائمون في كل ركن من التعب الماحق. جالت في ذهني أسئلة دالة: هل تسلل شيء من
16
Made with FlippingBook Online newsletter