من كان يتخيل هذه الصورة؟ مســلح طالباني يضع يده على الزناد، وجندي أمريكي بقربه ال يطلق عليه النار! كانا يتحدثان وينسقان. هل هذه هي أفغانستان الجديدة؟ خطر لي أن األمر ليس مستحيال؛ فكل حركات التحــرر مــن الجزائر إلى زيمبابوي تصافح فيها الغــازي والمَغزُو لحظة رحيل المستعمر، فالحرب بين االثنين إنما قامت إلخراج الغازي فحسب. كان الطالبانيون شبابا من الناس، أفغانا يلبسون كما يلبس األفغان، ال تميزهم إال بالرشاش؛ أما المالبس واللحية فمنظر أفغاني أصيل. وكان يمكن تمييز سلوكهم عن سلوك الجنود األمريكيين بطريقة السيطرة على الحشــود؛ فالجندي األمريكي يصرخ ويحذّر ويدفع بيديه، أما الطالباني فيدفع بأعقاب البندقية ويرفعها مهددا بها كأنها عصا. لكنه أيضا يضحك ويمزح ويتحدث لغة الناس، أما األمريكي فمكفهر متترِّس خلف بندقيته وخوفــه وجهلــه بطبيعة األرض وأهلها. طال مكثنا عند البوابة ونحن ال ندري ما نفعل. شــعر الجندي الــذي نقف إلى جانبه بالتوتر من وقوفنا قربه فاقترح اقتراحا عمليا. أشار إلى حافلة عالقة وسط الجموع: - أرى أن تتفقــوا مع صاحب تلك الحافلة وتُدخلوا حقائبكم فيها وتجلسوا هناك. وقد يساعدكم مسلحو طالبان على الخروج. راقت لنا الفكرة. وبعد دقائق كنا جلوســا داخل الحافلة، غير أنها كانت كلما حاولت التحرك ضربها الناس بأكفهم تحذيرا. كنت جالســا قــرب النافذة أتأمــل الجموع. كانت قرب نافذتي امــرأة تحمل رضيعا ومعها رجل. أخرجت هاتفي ألصور المشــهد رغم الظالم فأشارت إلي أال أصورهم. أغلقت هاتفي وأعدته لجيبي مما حرمني من أي صورة من تلك الصور التاريخية.
19
Made with FlippingBook Online newsletter