حجر الأرض: صراع الغزاة والحماة في أفغانستان

متواريــا عن رياح التاريخ، بل ظلت منذ القِدم حلْبة مدهشــة لنجاحات اإلنســان وتعاساته، ومسرحا رحبا لبرهنة اإلنسان على إنسانيته المتوثبة، وشيطانيته الدَّرَكية. إذ كانــت أفغانســتان تاريخيا بؤرة اســتقطاب لصُنّــاع الحضارات ومقوِّضيها منذ اإلســكندر األكبر، واألكاســرة، وجحافــل جينكيزخان. وظلت تلك البقعة -دوما- ممرا أبديا للغزاة والتجار، والفرسان والشعراء، واألولياء والعبيد. لكن ولع الغزاة بهذه البالد يقابله عناد ملحمي من أبنائها. فقد ظل اإلنسان األفغاني صخرة من ضخور الهندوكوش صعبة االقتالع، راسخة راســية. فقد برهــن األفغاني طيلة تاريخه أنه تجســيد حي للعبارة التي وصف بها زعيم الدعوة العباســية قائدَه العســكري أبا مسلم الخراساني من أنه «حجر األرض». وهي عبارة كثيفة الداللة تشير إلى ثبات الجنان، وصالبة الوجدان، والتشبث بالمكان. هــذه الحقائــق دعتني إلى كتابــة هذه الفصــول لوضع األحداث المتكشــفة في أفغانســتان ضمن سياق أرحب. إذ حاولت أال أكون مثل كثيــر من الصحفيين الذيــن يعميهم الخبر اليومي الجــاف المنبت عن جذوره التاريخية، وشروطه الحضارية. فلعل النظرة الفوقية المازجة بين اليومــي والتاريخــي، واللحظي والحضاري، تمنح المــرء ثباتا في عالم متقلــب، وتمده بفهم ليوميات األخبار المتالحقة. ولذا آثرت كتابة هذه

8

Made with FlippingBook Online newsletter