وللمدينــة البادية في األفق. أوقف دراجته وســمح لعينيه باالنهمار، ثم رفع يديه عن مقود الدراجة ووضعهما على جبهته وأجهش باكيا. كانت الســماعة في أذنه اليســرى تخبره بتحــركات مقاتلي حركة طالبان، وتقدمهم للســيطرة على كابل. لم يســتطع الرد على أميره الذي يوجــه له األوامر؛ فقد كانت عيناه تَسُــحّان، وشــفتاه تختلجان. حاول التماســك مؤنّبا نفســه: لِم أنهار في هذه اللحظة ولَم أنْهَر قَط رغم كل ما رأيت؟ وقف ملتفتا إلى أحياء كابل من فوق الجبل فانتفضت صورة ، قبل سبع سنوات. 2014 من ذاكرته. كان ذلك عام دخل محمد أعظم قرية هادئة بمنطقة تَغاب رفقة أحد عشــر رجال من مقاتلي حركة طالبان، بينهم خاله وابن خاله وتســعة آخرون. دخلوا القريــة الوادعة فاســتقبلهم رب المنزل المتعاطف معهم، وتحلقوا حول مائدة العشــاء وهم يخططون لإلغارة على نقاط أمريكية. بدا الجو هادئا ولطيفا، ودارت كؤوس الشاي األخضر وامتدت األيدي إلى مائدة الخبز والجبنة البلدية واألرز واللحم. كان هو وابن خاله أصغر الحضور، كان في عامه السابع عشر. اندفع خاله ورفاقه الكبار يتحدثون عن قصص الجهاد التي خاضوها وعن معاركهم مع األمريكيين، لكن صوتا سُــمع فجأة مأل المكان رعبا. وقفت األيدي في الهواء بكؤوس الشاي دون أن تصل األفواه، وأنصت الجميع للصوت. ال شك أنها طائرة تجسس أمريكية؛ فقد أكسبتهم خبرة الكر والفر والقصف حاسة دقيقة للتمييز بين أصناف الطائرات، ثم ما لبثوا أن ســمعوا صوت طائرة أباتشي. كانت التعليمات واضحة في مثل هذه الظروف، يجب أن يتفرقوا فورا ويختبئوا، فاألمريكيون سينزلون لالشتباك
98
Made with FlippingBook Online newsletter