الجزيرة تروي قصتها: دراسات في العمق

الحديثــة التي تخضــع لتأثير النفوذ السياســي والمالي، وضغوط شــركات الإعلان واســتغلال شــركات تحليل البيانات والاستشارات السياسية. وقد كرّس هذا النموذج الإخباري، بتميزه المهني عمّا سبقه، ممارسة إعلامية جديدة تتسم بتَمْثِيل حقائق الواقع بصوره وأبعاده وســياقاته المختلفة، أي على مســتوى الفعل المهني. كما تتسم بثقافة إعلامية ذات قيم وأُطُر مرجعية تحكم الممارسة الإعلامية، أي على مستوى المبادئ والقواعد الحاكمة لهذا الفعل. وتستجيب تلك الممارسة لمقتضيات النموذج المعياري فــي التغطية الإخبارية، فتنفصــل بذلك عن المرجعية المهنية التقليدية للإعلام العربي الرسمي، وكذلك عن هيمنة المؤسسات الإعلامية الدولية في نقلها للأخبار والأحداث والقضايا. يتنــاول هذا الفصل بالتحليل، النموذج الإخباري لشــبكة الجزيرة، ويبحث في معالم البصمة التي تركها في مجالات ومســتويات مختلفة. ومن خلال ذلك، يكشف عن الدور الفاعل والمحوري الذي لعبته في بيئتها الإعلامية، بما يسوّغ الحديثَ عن . بناء على " ما بعــد الجزيرة " و " ما قبل الجزيرة " مرحلتيــن فاصلتيــن في هــذه البيئة، ذلك، ســنعرض لتأثير الجزيرة في خريطة الإعلام الدولي التي باتت تزدحم بمشاريع إعلامية منافســة أنشــأتها دول عربية وقوى دولية بعدما أدركــت حجم القوة والتأثير اللذين امتلكتهما الجزيرة. في هذا الســياق، ســيبحث الفصل المحاور التالية: هوية النموذج الإخباري للجزيرة، ومجالات القطيعة الإعلامية والمعرفية مع الإعلام العربي والدولي، ثم تأثير الجزيرة في البيئة الإعلامية. . هوية النموذج الإخباري للجزيرة 1 تُشــكّل السياسة التحريرية للجزيرة، والثقافة الإعلامية الجديدة التي أرستها عبر هوية " قواعد عملها المهني ونهجها الإخباري، منطلقًا لاستكشاف وتحديد ما أسميناه بـ . فهذا النموذج هــو العلامة أو البصمة التي تُميّز التجربة المهنية " النمــوذج الإخباري للجزيــرة والحالة الإعلامية التي تُمثّلها. فيما يلي، ســنركز على ثلاثة أبعاد أساســية مترابطة في دراسة هذا النموذج: أ) منظور جديد للمعايير الخبرية، ب) ثقافة إعلامية مختلفة، ج) نهج إخباري متفرّد. وسنلاحظ أن مُتَطلّبات هذه الأبعاد ومحدداتها ترسم أيضًا الهوية المُؤَسّسَة للجزيرة، وتُبْرِز مظاهر التجاوز والانفصال عن النماذج الإخبارية السائدة في خريطة الإعلام العربي والدولي.

148

Made with FlippingBook Online newsletter