ثــم تكــرر الأمر في اليمن، وكذلك في ســوريا وليبيا، قبــل أن يتخذ الوضع في البلدين طابعًا مختلفًا وعســيرًا، بعدما واجهت الثورتان هناك ردّا عســكريّا واسعًا ودمويّــا من النظامين الحاكمين. وقد ســخّرت الجزيرة مواردها التقنية والبشــرية والمهنيــة لنقل تفاصيل ما يحدث في البلدين بشــكل مباشــر وتفصيلي، وهو أمر تجــاوزت فيه كل شــبكات الإعــ م العالمية. توزع الهدف من هــذه التغطية بين محوريــن: محــور مهني يتعلق باقتناص لحظة عربية تاريخية في بلدين أساســيين، والنقــل التفصيلي والتوثيقي لحدث غير مســبوق على هذا المســتوى له تداعياته الإقليميــة وربما الدولية. أما المحور الثانــي فهو أخلاقي؛ حيث وجدت الجزيرة أن من بين مســؤولياتها الكشــف عن الحقائق المتصلة بتلك الأحداث وخاصة ما يتعلــق بالصراع بين النظام ومعارضيه. وقد كشــفت تلــك التغطية وما رافقها من توثيــق للانتهاكات الإنســانية عن بعض أكثر الجرائم وحشــية ضــد المدنيين. في هــذا الســياق، دفعت الجزيــرة تكاليف باهظة من أرواح مراســليها وحرياتهم في . ((( مختلف بلدان الربيع العربي . الجزيرة وعنف القوى العالمية 3 ظهرت الجزيرة في ســياق جيوسياســي عالمي جديد وخطير. وحينما تأسست القناة الإخبارية، كانت قواعد النظام الدولي السائد بعد انتهاء الحرب الباردة مع نهاية ثمانينات القرن الماضي ما زالت سائدة، بما في ذلك أوضاع منطقة الشرق الأوسط، وما كان يوحي به من استقرار نسبي لنظمه السياسية. وقد طرحت للنقاش العام، منذ البداية، قضايا وموضوعات كانت خارج التداول الإعلامي المسيطر عليه حكوميّا، من بينها قضايا الديمقراطية وحقوق الإنســان ومحاربة الفســاد، والعلاقات العربية البينية والعربية مع القوى الخارجية. هذه العناوين الحساســة التي كانت تُطرح من قبلُ في الإعلام العربي الرســمي بطريقة تحفظ التقاليد السياســية التي حرصت أنظمة المنطقة على تكريســها لســنوات طويلــة، أصبحت مع الجزيرة تُطــرَح وتُناقش خارج الرقابة الحكومية بجرأة غير معهودة. كانــت الصدمة التي أحدثتها الجزيرة بمســتوييها، السياســي والإعلامي، مؤثّرة وجدية، لكنها مع ذلك ظلت تمثّل إزعاجًا أكثر منه خطرًا. وفي تلك المرحلة المبكرة، اكتفــت بعــض الحكومات العربية بعرقلة عمل مراســلي الجزيرة أو منعها من العمل وحقوق العامة للحريات الجزيرة مركز ، " تعريفية نشرة : الحقيقة ثمن " : راجع ، التفاصيل من للمزيد ((( .2017 ، الإعلامية الجزيرة شبكة ، الإنسان
244
Made with FlippingBook Online newsletter