الجزيرة تروي قصتها: دراسات في العمق

ليــس لديهــا ما يكفي من الخبرة للتعامل مع هذا الوضع، فإن عليها أن تبني خبرة ميدانية وتحريرية لمواكبة هذه المســتجدات والوصول إلى الحقيقة وتقديم تغطية إعلاميــة مهنية. وقد بيّنت تجربة الجزيــرة أن كلفة بناء هذه الخبرة مرتفعة خاصة على الصعيد الإنســاني، وأن العمل في هــذه البيئة أخطر بكثير ويتطلّب تضحيات أكثر من تلك التي يتطلّبها العمل في البلدان المســتقرة. وفيما يلي، ســنلقي الضوء علــى تلــك التحديات التي تواجه عمل الجزيرة فــي البيئتين العراقية واللبنانية. ، يتوزع النفوذ على عدد من القوى السياسية والفصائل المسلحة التي - في العراق تنافس الدولة ومؤسســاتها، وتتفوق عليها أحيانًا في قدرتها على التحكم في مسارات اقتصادية واجتماعية وسياســية وإعلامية. وذلك بســبب اعتمادها آليات وأساليب غير محددة بقانون أو قيود مؤسسية، فهي خارج أية رقابة. ومما يميز الجماعات الضاغطة الموازية للدولة في العراق، أنها حديثة نسبيّا. فقد بدأت في التشكل بعد الغزو الأميركي ، لكن أعدادها وقدراتها تصاعدت بشــكل واضح منذ الانســحاب الأميركي 2003 في ، 2014 . ومنذ الفترة التي تلت بروز تنظيم الدولة في صيف عام 2011 من العراق في ســيطرت على المجال العام وما زالت تتوسع وتطوّر آليات جديدة للسيطرة والتحكم في القرار السياســي والأمني والاقتصادي. لكن حداثتها واســتمرار توسّعها، يجعلها تنشــط دون تقاليد أو ضوابط اجتماعية أو جغرافية يمكن تحديدها. بل إن جزءًا من الدولــة والمجتمــع يعتبر تلك القوى، أو على الأقل بعضها، حالة طارئة وغير قانونية ولا يجوز الاعتراف بها أو شرعنتها. لقــد أصبــح كل ما يقوله الصحفي أو ينقله خاضعًا للتفســير بطريقة أو بأخرى بحســب أهواء هذا الطرف أو ذاك، ويعتمد الأمر بشــكل خاص على وزن المؤسســة الإعلامية ومدى انتشارها. وغالبًا ما يتسبب اختلاف التفسيرات، وما تمليه الأجندات الداخلية والإقليمية للأطراف السياسية العراقية، في خلق الكثير من المصاعب والعوائق أمــام عمــل الصحفيين، وأحيانًــا في مخاطر على حياتهم وأمنهــم. فالجميع يمارس الضغوط، وبعض تلك الضغوط يصل إلى حدّ التهديد ســواء أكان مباشــرًا أم مبطّنًا، وهو ما يحصل مع الجزيرة بشــكل مســتمر، فالكل يريد أن تتبنى القناة وجهة نظره. ويتعدى الأمر القضايا السياســية والمثيرة للحساســية إلى كل شيء تقريبًا. في هذا إن كل حدث يتصل " السياق، يقول وليد إبراهيم، مدير مكتب الجزيرة في بغداد: بالسياســة، حتى وإن لم يكن حدثًا سياســيّا، هو مشــكلة كبيرة. وكل شيء هنا يمكن تسييسه. فالحديث في الرياضة يمكن أن يُسيّس. وفوز الفريق العراقي لكرة القدم على دولة معينة وما قد يسفر عنه من احتفال كبير يمكن أن يفسّره هذا الطرف أو ذاك من

250

Made with FlippingBook Online newsletter