العدد 2 – يوليو- تموز 2023

125 |

مقدمة ليس هناك أي مجال للشك في الدور الذي تقوم به شبكات التواصل االجتماعي في المجتمعــات، ويظهر ذلك في التحــوالت والتغييرات الكبيرة التي حدثت منذ نهاية القرن العشرين وحتى الوقت الراهن نتيجة التدفق الحر للمعلومات. فقد تسللت هذه الشبكات إلى جميع مناحي الحياة اليومية لماليين من البشر، مؤثرة في طريقة تفاعلهم االجتماعي، وأســلوب ممارسة أنشــطتهم وأعمالهم، أو تعاملهم مع الحكومات، أو المشاركة في المواقف والحركات االجتماعية المدنية. وقد بات تأثير الشــبكات االجتماعية في الثقافة والمجتمع والهوية أمرًا واضحًا عبر ما يتم تداوله من معلومات وأفكار وأيديولوجيات وفقًا لنتائج عدد من الدراســات والبحوث، وصارت بذلك عام ًل يحســب له حساب في صناعة الرأي العام وتوجيه اهتمامــه صــوب قضايا ومشــكالت بعينها، وفــرض أجندة محــددة على المثقف والسياسي وجميع الناشطين في المجتمعات. لكن ثمة أسئلة تطرح نفسها بشأن هذا الــدور وتتعلــق بالمرجعيات الفكرية ودقة ومصداقيــة وموضوعية ما يتم تداوله من معلومات وأفكار عبر هذه الشــبكات المتحــررة من الرقابة الحكومية وغير خاضعة لمعايير التحرير المهني. ويفســح هذا النوع من التواصل في المجال لنشر األكاذيب والشائعات والتعابير األكثر حدة إلثارة ردود الفعل؛ األمر الذي يجعل منها بيئة مواتية لنشر الخطاب الشعبوي وأيديولوجياته. وهو خطاب يسعى إلى تقسيم المجتمع بين ، وتحويل التنافس إلى صراع يُفضي إلى مغادرة " النخبة " و " الشعب " أو " هم " و " نحن " السياســة نحــو الحرب واإللغاء، أو العودة بها نحــو القبيلة االجتماعية ومحاصصة .) 1 تتعامل مع الدولة ومواردها بوصفها غنيمة( وبذلك تحوَّلت شبكات التواصل االجتماعي عبر هذا النوع من الخطاب إلى منصات تَنْشِــئَة اجتماعية ال تتبنى محتوياتها فكرة بناء المجتمع الواحد المتماسك والمحافظ القائم على توارث القيم الثقافية واالجتماعية والفكرية المتجانسة. ويرجع ذلك إلى أن الخطاب الشعبوي خطاب وصولي، انتهازي، فوضوي، مُضَلِّل، ال يحترم القانون والمؤسســات القائمة. كما أن البناء المعرفي واالجتماعي والثقافي للفرد الناتج عن هــذا الخطــاب ال ينتمي للمجتمع الذي يحتضنه فقط، وإنما ينتمي أيضًا إلى الطرح

Made with FlippingBook Online newsletter