العدد 2 – يوليو- تموز 2023

| 224

في الوصول إلى البيت األبيض. وهذا " التجاوزات " واســتقطابها. لقد ســاعدته هذه ما أدى إلى االستشــعار الحقًا بخطر هذه المواقع على الديمقراطية في المجتمعات الغربية. ترســخ االســتقطاب على أسس عرقية ودينية وهوياتية في المنطقة العربية قبل ظهور شبكة اإلنترنت. لقد سهرت، وتسهر، عليه مؤسسات سياسية وجمعيات ثقافية ودينية. فالصحف ظلت أحادية الفكر والتوجه تشجع االصطفاف اللغوي -الصحافة الجزائرية مثــ ً- واالصطفاف السياســي واأليديولوجــي وحتى الطائفي -الصحافــة اللبنانية مثــ ً- والقنــوات التليفزيونية الدينية ذات الطابع الطائفــي، والمنتديات اإللكترونية االقصائية. ولم تستطع صحافة ما بعد االستقالل في جل البلدان العربية أن تشكِّل، فــي أغلــب األحيان، منبرًا لتبــادل اآلراء والمواقف بين جميع األطياف السياســية والجماعات االجتماعية ومناقشــتها. وبلغ هذا االســتقطاب مداه إلى درجة أنه أعاق بناء قطاع الســمعي- البصري القوي التابع للدولة اللبنانية. أما البلدان التي تمكنت من إنشــاء هذا القطاع فإنها لم تجعل من الخدمة العمومية هاجســه المركزي، ولم يكن الحوار والتفاوض والمداوالت بين الفرقاء السياسيين ديدنه. ويمكن أن ندرك، علــى ســبيل المثال، عواقب غياب الحوار والتفــاوض والتوافق أثناء حكم القذافي على ليبيا اليوم. قد عزَّز الغياب التاريخي للحوار والتشــاور والتفاوض في المنطقة العربية االستقطاب الممارس عبر مواقع الشبكات االجتماعية. ونشَّطت هذه األخيرة بدورها ظاهرة االستقطاب؛ إذ جعلته مرئيًّا أكثر، ومنحت الجماعات المستقْطِبَة ثق ًل في الفضاء االفتراضي أكبر من ثقلها في الحياة اليومية العينية. وهذا ما يوحي به عدد المشاركات أو التعليقات على المنشورات والفيديوهات التي تبثها هذه الجماعات أو تعيد توزيعها، وحدَّة الحمالت التي تقودها لتشــويه سمعة األشخاص وتتفيه آرائهم المعارضــة. وبهــذا عزَّزت التطرف والعنف اللفظي الذي يهيئ األجواء الســتعمال العنف المادي من أجل حل االختالف في الرأي وتعارض المصالح. إن ما يجعل مواقع الشــبكات االجتماعية أكثر مقدرة على االســتقطاب السياســي واأليديولوجــي في المنطقة العربية يكمن في ارتفاع منســوب الثقة في منشــورات مســتخدميها، وضعف مصداقية اإلعالم الرســمي لدى الجمهور. فناشر األخبار في هذه المواقع وعبرها، ومن يثني عليه، والمعجب بما ينشــره، هم محل ثقة لكونهم

Made with FlippingBook Online newsletter