العدد 2 – يوليو- تموز 2023

| 226

يعرض ذاته ويسردها بكل حميميتها في هذه المواقع التي تروم الشفافية والمكاشفة. تعيق جملة من األسباب الجوهرية واإلجرائية تحوُّل الميديا االجتماعية إلى مجاالت عموميــة؛ فال يمكن للعُدَّة التقنيــة أن تحل معضلة االختالالت االجتماعية والثقافية فــي المجتمــع. وال تنتج هذه الميديا مواد موجَّهة للجمهور، مثل وســائل االتصال الجماهيــري، بــل تعرض مــا ينتجه مســتخدموها. لذا، تختلــف باختالف رغبات مســتخدميها وســياق اســتخدامهم لها. فالميديا االجتماعية هي ما أراد أصحابها أن يفعلوهــا بها، وســمحت لهــم قدراتها وخوارزمياتها بذلــك. وخير مثال على ذلك يتضح من متابعة مراحل تطور اســتخدام موقع فيسبوك، على سبيل المثال، في أكثر ). فعلى الرغم من 91 إلى غاية اليوم( 2011 مــن بلــد عربي، مثل تونس منذ ما قبــل اللحظات التي توفرها الميديا االجتماعية لتجربة ذاتية معارضة عندما تتوتر العالقات بفضلها من فرض خطابها السياســي " الدهماء " بيــن الحكام والمحكومين، وتتمكن ولو إلى حين، ال تستطيع هذه الميديا أن تكون مجا ًل للنقاش العمومي الذي يفضي إلى االعتصام بالرأي الذي تجعله المداوالت راجحًا. والسبب في ذلك يعود لطبيعة ،) 92 الميديا االجتماعية غير المؤهلة لتجســيد المداوالت حول موضوعات النقاش( حتى وإن لم يشترطها الكثير من النقاد ويجعلون منها عنصرًا تأسيسيًّا لتشكيل المجال العمومي ما بعد البرجوازي. والســبب الثاني أن الكثير من األنظمة السياســية والبنى االجتماعيــة والثقافيــة في المنطقة العربية تضيق ذرعًــا بالحوار، وبالرأي المخالف، ناهيك عن المعارض، بدليل أن أحزاب المعارضة الشرعية ذات التمثيل في المجالس ، تغيب، وتمنع من حقها في " بتعدديتها السياسية " المنتخبة في البلدان العربية، التي تقر التعبير عن مواقفها في وسائل اإلعالم الرسمية. وال يتاح لها ذلك إال في الحمالت االنتخابية. . مــن الصعوبة بمكان النظر إلى المجــال العمومي في المنطقة العربية من منظور 2 ثنائية الجمهور: المهيمَن والمعارض، الذي تحدثت عنه نانسي فريزر، وذلك لجملة من األسباب، نذكر منها ما يلي: بالمعنى الغرامشــي فــي البلدان العربية، " الهيمنة " - يمكــن االعتراض على مفهوم واســتخدام مفهوم الســيطرة التي تُفرض بحجة القوة بدًل منه. ففي البلدان العربية التي تعاني من نزاعات مســلحة تختفي مالمح هذه الهيمنة وراء القوة، ســواء كانت

Made with FlippingBook Online newsletter