العدد 2 – يوليو- تموز 2023

263 |

بتكنولوجيــا االتصال، فالطفل الصغير مث ًل حينما يكتشــف خاصية تكبير الصور أو إزاحتها على الهاتف الذكي باستخدام أصابعه، يفعل ذلك أيضًا مع صور التليفزيون وصــور المجالت، حيث يقوم بإســقاط اإلمكان التقني علــى الصور الموجودة في الواقع. ويعتبر ذلك اإلمكان التقني المرتبط بالوسيط أساسًا، جزءًا من ماهية الصورة المتعينة في الواقع حتى ولو كانت صورًا ورقية. واألمر ليس بســيطًا، بل هو بالغ األهمية؛ حيث إن األهمية التي نمنحها لتكنولوجيا االتصال في حياتنا اليومية، وأشــكال اســتخدامنا لتكنولوجيــا االتصال، تقود لدينا العديــد من التعلمــات المعرفية واالجتماعية، وقد أوضــح الباحث ذلك بالتفصيل )، وقدَّم أمثلة متعددة، من بينها أن اســتخداماتنا االجتماعية 32 في دراســة ســابقة( لتكنولوجيا االتصال قد غيَّرت تصوراتنا عن التواصل اإلنساني، والتضامن االجتماعي وما يرتبط به من قيم فرعية، مثل الســتر، وأثَّرت في حدود التربية الوالدية، وغيَّرت مفهــوم الخصوصية االجتماعية (وال أقصد الرقمية)، بل وأثرت في أســاس الرابط االجتماعي الذي تقوم عليه العالقات االجتماعية. إن أشــكال استخدام تكنولوجيا االتصال تقوم بصياغة تصوراتنا عن الحياة الواقعية، وتعمل على تســريب تعديالت ناعمة على قيمنا االجتماعية وتغييرها بشــكل بطيء وخفي؛ حيث تعمل اســتخداماتنا لتكنولوجيا االتصال الرقمي بمنزلة تعلم اجتماعي دائم ومســتمر يقود التغيير االجتماعي بشــكل حثيث. وفي الوقت الذي ينشغل فيه أغلــب المتخصصين بالتنظيــم األخالقي لمضمون التبادل علــى منصات التواصل االجتماعــي، فإنهم ال ينتبهون إلى ضرورة التنظيم األخالقي ألشــكال االســتخدام وطرق التبادل على تلك المنصات. ولعل جزءًا كبيرًا من هذا اإلشكال قد نتج عن تعامل الباحثين مع خدمات التواصل االجتماعــي بمنطق الوســيلة اإلعالمية وليس بمنطق المشــروع التجاري، فمنصات التواصل االجتماعي هي في الواقع استثمار ربحي لشركات كبرى تستثمر في عواطفنا وميوالتنا وقيمنا وثقافتنا وفي كل ما يجعل منَّا بشــرًا، من أجل ضمان إدماننا على بيئــة رقمية هي في عمقها تجربة اســتهالكية خالصــة بالمعنى الذي ذهب إليه جيل ) في حديثه عن مجتمع االســتهالك المفرط الذي Gilles Lipovetsky ليبوفتســكي ( ). ويكفي االطالع علــى الفيلم الوثائقي 33 ينبثــق بتراجع قيم الجماعــة وقواعدها(

Made with FlippingBook Online newsletter